انتخاب
في وسط القاعة، طاولة مغطاة بعلم الوطن فوقها صندوق زجاجي شفاف، في الركن الأيسر مخدع ينسدل من فوق بابه ستار أسود اللون، بينما صورة الحاكم تتوسط الجدار المواجه للباب. و أطياف من المسؤولين عن مكتب الاقتراع تؤثث ديكوره بلباسهم الرسمي أمام طاولة عليها لوائح الناخبين، و أوراق الاقتراع ،و أغلفة تبدو فارغة، و منشورات أخرى لم أتبين ما هو مكتوب عليها من خلف النافذة.
سألني هامساً الذي يهم بالدخول :
- من يصلح و من لا يصلح؟
- ما يناسب اختياره لهذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الوطن؟
أطرقت تمعنا في السؤالين و ما بينهما من أسئلة وسيطة، لها علاقة بفاعل الجملة و فاعل التقسيط، أ هو مرفوع إعراباً على الأكتاف؟، أو مبنيا على الاحتمال و الاحتيال في محل نصب، بفتحه الرهان؟؛ ومن الكسبان و من الخسران في شفافية التعتيم و سياسة التعويم؟فلان أم علان؟
فقلت له : الأمر سيان، لا فرق بين الرايتان في بلاد التمساح العريان و الجن الجبان : فالبهتان برهان، و البر أمان لمترشحي البرلمان. فبأي آلاء الولاء أنتم تكذبان؟ فعند الامتحان يعز المرء أو يهان.
كانت بنظرته حيرة عندما ولج باب المكتب، و بعدها سمعنا جلبة، ثم خرج يلعن اليوم الذي خلق فيه بهذا البلد الذي أسقط اسمه عن لوائح الانتخاب. و من لا صوت له لا بَرَّ له. و قد أسرَّ لي أنه قبض من أحد مرشحي الأحزاب/الدكاكين عربون صوته. ولا يدري ماذا سيفعل عندما أصبح أبكماً و أرغم على عدم التصويت، رغم أنه طول حياته كان صمّاً أبكماً، و لم ينتقد هذه الأحزاب بأدنى رنَّة من صوته، ربما لضعف إيمانه بها و ما يؤول إليه المترشحون بعد و صولها للكراسي.
فصاحبي لم يجد اسمه ضمن لائحة الناخبين بسبب خطإ مطبعي و رغم انزعاجه و انفعاله كان يحس في قرارة نفسه بنشوة المنتصر؛ لقد رفع عنه الحرج عند الاختيار / الاختبار و عن باقي المخبرين الذين يطوقون المكان من أجل معرفة الورقة التي لم يصوت بها عند فتح كفه لوضع الواسم المدادي في سبابته و حتى لا يتهم بالعمالة لحزب دون آخر.