أيها النائم أنهض

جلس مهند وحيداً بصحبة الغيم الذي كان يذرف دمعاً غزيراً يطرق رأسه ، وبصحبة خير جليس في الزمان كتابه. حروفه تضيء له وجوه العابثين الضاحكين بصوتٍ لا يُخفي تصنعهم عند خروجهم.
من تلك البوابة، وكأن صديقه يحذره بإضاءته من الدخول إلى ذلك العالم الزائف.. جلس هناك .. يرقبُ وجوه الخارجين علِّه يرى وجهاً يعتريه يدفعه للدخول بنقاش مع شخص يثق به، يبث اليه شكواه.. كان واثقاً من خروج ذلك الشخص .. لا أدري لماذا ؟ لكنِّه كان واثقاً؛ إلى أن خرج شخصٌ عمَّ نوره أضواء المكان الزائف، وطغت ابتسامته على ضحكات الوجوه الغابرة. صرخ : وجدتُ ضالّتي.. هناك شيءٌ مختلف عند ذلك الرجل ! لم ينتظر ردّاً .. أسرع باتجاهه سأله عن سر ذلك النور، ولماذا أنت بالذات؟ .. في حضرة كل تلك الوجوه الغابرة ! وصل إليه ووضع أسئلته في أذنه .. ابتسم له وقال : عليك ببلورة تلك الأفكار ! وسكت .
– أجاب: مهند بلورة الأفكار ! لماذا ؟
-أجابه: يا بُنيّ .. لا وقت عندي .. فالعمل لاسترداد القيم كبير ..
والعاملون قلّة .. والمتربّصون كُثر .. وأخشى أن تضيع أنت وأنا معك.. يا بُنيّ عليك أن لا تنجرف.. وإن كنت صادقاً فيما تطلب .. سنلتقي يوماً ما .. إما لاستردادها معاً أو بعد ذلك.. يا بنيّ لا يغرنّك كثرة العابثين في بلدي، ولا تغرنّك توافه الأمور .. ثم مسح على رأسي وقال: عليك بالجوهرة.. ورحل ! عاد مهند إلى ذلك المكان، ولتلك الغيمة التي لم تعد تذرف الدمع، جلس على الرصيف مطرقاً رأسه لثقل الأسئلة التي تعصف به .. رفعه بصعوبة ونظر إلى تلك البوابة .. هو سوق الأفكار إذاً .. ! لا بدّ من الدخول إليه .. لا بدّ لي من أن أرى تلك الجوهرة .. جوهرة القيم الانسانية تحزّم بهمةٍ لا أدري من أين نبتت في صحراءَ قاحلة .. وتوكلت على الله .. دخل إلى ذلك السوق .. وإذ بالمتربصين على بابه .. الكل قادم .. يعرضون سلعهم بعروضٍ خاصة قلَّ نظيرها .. عرضَ عليّه بائعٌ منهم صندوقاً معبّأً بالتفاهة .. بلا مقابل .. قال له :خذها ولا تخف ! وجذبه آخرٌ من قميصه المبلل وقال : خذ ثلاثة صناديق من العمالة ولك ما تطلب من الأموال .. بشرط أن تعمل معنا في السوق .. وأمسكه آخرٌ من شعر
رأسه وأعطاه جهاداً مغلّفاً بدماء الأطفال .. وكثر الكاذبون .. وتوالت العروض .. وتعالت الأصوات .. فركض هارباً ..أين الخيّرون ؟ .. أين أصحاب الجواهر المضيئة ؟ .. أين أهل الحق ؟! لماذا لا يعرضون سلعهم ؟ لماذا ؟ أسئلةُ عصفت في رأسه وزادته ثقلاً عندما جلس داخل زقاقٍ في قلب السوق .. وزاد عزمه على إيجاد تلك الجوهرة .. علّ العواصف تهدأ .. ويزول الضباب عن زجاج العين .. ليتضح الطريق .. صاح بأعلى صوته أيها النائم أنهض...