في المقهـــى الاسبانـــي
الرّوجُ الأحمَرُ يُدمي شَفَةَ الفنجانِ في يَدِها
وَحدها في المَقهى الإسبانيِّ السّاحِرِ في طَنجَةَ
على بُعدِ صهيلِ حصانٍ عَرَبيٍّ أو أدنى
من بابِ الشّمسِ إلى أندَلسِ الأمسِ
قريباً جداً من جَبلٍ يُدعى طارق
بيني وبينها في المقهى طاوِلتانِ لا أكثَرَ
ومسافةُ جُرحٍ في التاريخِ
وحُلُمٍ أوشَكَ أن يُنسى، ظلّ يراوِدُ ذاكرتي لكنّهُ يبعُدُ أكثر
تَشرَبُ قَهوَتها رَشفةً رشفَةً كأميرَةٍ أندَلُسيّة
وَصَلتْ منْ غِرناطَةَ للتّوِِ
وكأني ألمَحُِ خاتَمِيَ العَرَبِيَّ يَلمَعُ
في إصبَعِ يَدِها اليُسرى
أتأمَّلُ مهوى قرطَيها وأقيسُ البُعدَ ما بينَ الأذنِ وبينَ الكتِف
كأنَّ القرطينِ على سَفرٍ أبَدِيٍّ فوقَ رَخامِ طريقِ الحَرامِ
إلى لا مكان،
يُطِلانِ بحسْرَةِ عشاقٍ على عَلامَتيّ استفهام
تُشعِلُ سيجارتَها الأنيقةَ على مهلِها
هي َ وقتُها ووحدَتُها لها
أرْقُبُها
تَرقُبُني
أنظُرُ في عَينيها السّوداوينِ كليل الصّحراء
تَنظُرُ في عَينَيَّ على استِحياء
ثُمَّ يُسافِرُ كلٌّ مِنا في تيهِ القهوةِ والفِنجان
تأخُذُها موسيقى الفلامنكو بعيداً جداً
إلى أندلُسٍ ما زالتْ تَسكُنُ في ذاكِرَةِ الروحِ
وتطفو مثلَ سرابٍ يرحَلُ أبعدَ أبعَدَ
من زَبَدٍ يتلاشى في خاتمةِ البحرِ ويفنى
لا شيءَ سيبقى غير البحرِ
يمتلئُ المقهى دِفئاً بالموسيقى
ويَمُرُّ الوَقتُ سريعاً فيما يتعدّى عقاربَ ساعَتِنا
لا يَلتَزِمُ الوَقتُ بغيرِ الوقتِ
تنظُرُ كالعَرّافَةِ تقرَأُ ما تُخفي سُبُلُ القهوَةِ في الفنجان
وأنا أقرأُ عينيها السوداوينِ
وأسألُ ما سِرُّ الأسوَدِ يا سيّدتي في العينينِ
وفي الجَفنينِ وهذا الشعر المُتَمرِّدِ ليلاً
فوقَ جبينِ الشّمس
أقرأُ أقرأ أنظُرُ ثانيةً في فنجاني بحثاً عنّي عنها
أرفَعُ عينيَّ إليها لأَراها
أو لأَراني فيها
وأجوبُ زوايا المقهى بحثاً عنها
لا أحَدَ هناكَ
لا أحَدَ هُناكَ سِواي
في المقهى الاسباني ...