لشّامة
حملها الممّرضون من سيّارة الاسعاف ’ وكلّهم حذر ’ ابتلعتهم ردهة المستشفى سارع الطّبيّب المناوب أليها , بعد الكشف الاوّلي والتّحاليل, تمّ نقلها الى وحدة جراحة القلب , اذ تبيّن معها انسداد في الوريد , وقف شاخصا , لا شيئ يتكلّم في ذهنه غير صوتها , وصوته الممزوج بخوفه من غول وحشته بعدها , جمعه القدر بها لمدّة خمسة وعشرين سنة , رآها تتبدّد في هذه اللّحظة وهو يستمع لهذا الطّبيب الشّابّ يأمر معاوينيه باعداد غرفة العمليّات , وحده قلبه ينزف بحرا .
حفرت سويعات انتظاره تاريخا مغاير وهو الخيط الحريري ما بين الحياة والرّحيل , رفرف على مسمعه صوت الطّبيب وهو يخبره بنجاح العمليّة كرفرفة حمام السّلام , وازدادت سعادته حين لا حظ اهتمام الطّبيب المفرط بها , لم يغادر المشفى منذ ثلاثة أيّام , يكاد يلازمها في فراشها بالعناية المركزّة , لولا عيادته الاخرى , قد يكون لأنّه عرف انهما لم ينجبا اطفال , أو لأنّه انقذت بفضل اللّه وبراعته , وكا ن كلّما كشف عنها يتأمّل تلك الشامة على ثديها , حتّى أنّه في عديد المرات ينتابه خجل من نفسه ’ فيتدارك الأمر بسؤالها عن نفسها وعن أحوالها
وجدت نفسها تنتظره كل صباح وكل مساء , تسأل عنه زوجها حينا والممرّضات أحيانا ,
مرّ أسبوع نسيت فيه جرحها القلبيّ , فقد وجدت له صديق باحت له بسرّها , ودات يوم اشتّد فيه غيم قلبها , كشف على جرحها طبيب آخر , ولم يزرها ذاك الذي يسألها ولمسته تداوي وحدها الجرح بدون تعقيم , يا ترى هل سبب اختفاءه حكايتها مع ذاك الرّضيع , شيئ مبهم يراوغهما يشّدّهما لبعض , وذات عودة , دخل هيكل يحمل باقة أزهار بيضاء تخفي وجه صاحبها بصحبة سيّدة تكبرها قليلا وشيخا وقورا محترما , كان هذا أوّل معرفة بهما , وما ان نزلت الورود حتّى انكشف وجه الحامل البهيّ , انّه طبيبها , ولكن من معه , سرعان ما بددت حيرتها
كلمات السيّدة وطلبها اللّطيف بالكشف عن صدرها , ففعلت , كتمت المرأة صرخة ’ انّها نفس شامته وفي نفس المكان ...سبحان اللّه ...
التفتت لابنها الطّبيب ومسكته من يده , فتحت أزرار قميصه , حتى لمحت المريضة نفس شامة رضيعها التّي تركته وعمره سـتّة أشهر ,بعد أن اعتدل وزنه لأن طبيب الأطفال انذاك طلب منها المكوث لارضاعه من ثدييها حتّى يتعافى بمستشفى الأطفال تحت عنوان ولادة مجهولة , وبعدها تمّ تبنّيه
من قبل هذه العائلة , التّي كان هو فاتحة خير عليها فقد رزقا الزوجان ببنتين بعده , كانت اللّحظة كحياة تضاف لها نكهتها , بارك لها زوجها بلقاءها بقطعة من روحها , هما تشابكت ايديهما والقبلات تتهاطل بينهما كنجوم ليلة ربيعيّة وحدها النّبضات تقول لكلّ لقاء عنوان محفوظ بيد القدر ........