فيما مضى،وبالضبط،حين كنت شاباًّ،أي ما بين السبعينات والثمانينات،كان عدد السكان قليلا بالمقارنة مع اليوم.وكان للشرف معنىً مقدَّساً،بحيث أنك لم تكن ترى فتاة متبرِّجة بالشكل الذي نراه الآن.ولم تكن مسألة الحجاب مطروحة؛وإنما كان الفتيات يرتدين ثيابا لائقة ولا تثير الشهوات.ومع ذلك كناّ ذوي طاقات جنسية هائلة ومتأججة كأنْ كان بداخلنا محرك من ستين حصان.فنظرة واحدة لساق أنثوية ظهرت عن غير قصد تُلهِبُ شهوتنا وتجعل ليلنا مُؤرقاً كأننا أُصِبنا بعدوى الحُمى التيفويدية.ولا يُمكن المواربة أو التَّصنُّع لنُخفي بأننا مارسنا العادة السرية بامتياز.كانت هناك مواخير للدعارة لكن تلك العاهرات كُنَّ بشعات والرائحة التي تفوح من الأسِرة تشبه رائحة الجيِف.وكان هوسنا بالجنس يصل أوُجَّه حين نعثر على تلك المجلات الإباحية.
فالإقتراب من فتاة وربط علاقة معها في ذلك الزمن كان كالعثور على كنز في جزيرة مفقودة.والكثير من الشباب في ذلك الوقت تزوّجوا في سن مبكرة لإشباع مكبوتاتهم الجنسية؛وحتى أنهم لم يكونوا يفرِّقون بين الحسناء والذميمة.إضافة إلى أنَّ هذه الأقراص المثيرة للغريزة الجنسية لم تكن متداولة.أمّا عن الفتيات،فلا تسأل أنهن كنَّ في أمسِّ الحاجة للتحرر من سجن الأسرة ومعرفة الحب في ظل الزواج.والغريب في الأمر أنَّ المستحمات في البحر كنَّ فقط أولئك الفتيات اللواتي يأتين من الخارج بعادات النصارى واليهود.
اليوم،ولله الحمد،كل شيء مباح.فعدد السكان ارتفع بصورة مذهلة.والشباب اليوم أُتيح له كل شيء.فالفتيات في متناول اليد،عاريات متبرجات ولا يأبهن بقاموس الزواج والشرف.وإنما غايتهن الجنس،والجنس فقط.ومع ذلك فشباب اليوم ضعيف الشخصية؛والكثير منهم في مظهره أقربُ إلى الأنثى منه إلى الذكر.والمصيبة أنك تجد شابا لم يتجاوز العشرين لكن قوته الجنسية فاترة؛ والكثير منهم لا يقوى على ممارسة الجنس إلا باستعمال تلك الأقراص المنشطة.وحتى الفتيات تجاوزن الحدود في إظهار مفاتنهن حتى لم يعدن يثرن شهوة الرجال.ومن تزوج فإنه لا يتجاوز زواجه إلا مدة قصيرة فيحدث الطلاق.ولم تعد الزوجات كما كنَّ من قبل.فهن كذلك ينافسن الفتيات في التبرج وقنص العشاق.وهكذا ضربت الرذيلة رقما قياسيا مُلفتا للنظر.
وخلاصة القول أننا أصبحنا أكثر من النصارى واليهود تفتحا وتحررا وانحلالا.وأصبح ذلك الماضي الجميل كأطلال يقف عليها الشعراء ويتغنون برسومها الدارسة.فيا له من عصر عجيب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب مصطفى بلقائد.