قصة قصيرة
ــــــ
لقد وجدته!...ما يُقارِبُ الشهر وأنا أبحث عنه.بحثت عنه في كل مقهى؛في كل حانة...وأخيرا وجدته في إحدى المقاهي الشعبية.كانت برفقته فتاة،ولما لمحتني متوجها نحوهما انسحبت في لمح البصر.وما أن رآني حتى استبَدَّ به الذهول،فقام بسرعة من مكانه وعانقني بحرارة كما لو تخال أنه أخي من أمي وأبي؛ودعاني إلى فنجان قهوة،فلم أرفض وجلست.فبادرني بالسؤال:
ـ كيف تمَّ الأمر؟
ـ كان مُخيِّباً للأمل.
ـ لماذا؟
ـ لسبب أني لم أردَّ على الإتصال.
ـ في هذه الحالة ضيَّعْتَ فرصة حياتك...فمن جهتي أنا،فقد فعلت ما كان عليَّ أن أقوم به...لقد اتصلتُ بكاتب ديوان الوزير وكلَّمته في شأنك وقَبِلَ المبلغ ووعد بأن يتصل بك كما بيَّنتُ لك ذلك...لكن لماذا لم لم تجِبْ؟
فأشعلتُ سيجارة وأطلقت ضحكة ساخرة،وقلتُ:
ـ قُلْ لي!...إنْ كنت مع إنسانة وأنتما وقت المضاجعة ورنَّ هاتفك...هل تجيب أم تتابع؟
ـ بالفعل،سأجيب إن كان مصيري يتوقف على تلك المكالمة...فالفتاة لن تهرب.
ـ هذا ما لم أفعله...لقد فرَّطْتُ في الإجابة...وانتظرت بعدها أن يعاوِد الإتصال لكن دون جدوى...
ـ كان عليك...
فقاطعته فجأة:
ـ أنا لست هنا لاسترداد مالي...ولكن لأعمل...
فأجاب:
ـ وكيف السبيل إلى ذلك؟
فقلتُ:
ـ لقد رأيتُ الفتاة التي كانت تجلس معك...إنها الفتاة نفسها التي تعرفتُ عليها بشكل غريب ذلك اليوم عندما كانت سترِدُني المكالمة...وفهمتُ أخيرا اللعبة...فأنا أريد أن أشترك في اللعبة...
فنظر إلي وانفجر ضاحكا وقال:
ـ وما المهمة التي ستتكلف بها؟
فقلتُ:
ـ سأكون كاتب ديوان الوزير المزعوم.
فنظر إلي بإمعان وقال:
ـ وكيف علمتَ بالأمر؟
ـ عندما رأيتُ الفتاة معك،فهمت بسرعة...فأنت تتصيد الغافلين وتطمعهم بأنك ستشغلهم...وتؤكد لهم بأن لك وساطة وهو كاتب ديوان الوزير الذي لا يوجد إلا في مخيِّلتك...ثم تأخذ من المغفل مبلغا،وتعده بأن الكاتب سيتصل به في اليوم الفلاني...وفي نفس اليوم تدخل صديقتك على الخط...فتربط علاقة مع المغفل ويصطحبها إلى مكان...
فقال ضاحكا:
ـ عظيم،عظيم!...
فأضفتُ:
ـ ثم تدعوه للمضاجعة...وفي نفس الوقت يرن الهاتف...لأنك حددت الساعة...وفي هذا الحالة لا يستطيع المغفل أن يجيب...لكن لنفرض أنه أجاب...
فقال لي:
ـ سيكون الجواب بأن الكاتب انتظر طويلا أن تردَّ عليه وغادر...لكنه سيعاود الإتصال بك...
وقهقه ضاحكا.
ومن يوم ذاك،وأنا أتقمص شخصية الكاتب بكل امتياز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب مصطفى بلقائد.