وَاوَيْلَ قَلْباهُ مِنْ عَيْشٍ بِهِ الْقَهْرُ ***** ما سالِمٌ مِنْ أَذى دَهْرٍ سِوى الْحُمْرُ
يا باحِثاً يَسْبُرُ الْأَغْوارَ مُمْتَحِناً ***** لَنْ يُدْرِكَ الْقَعْرَ مِنْكَ الْعَقْلُ وَالْفِكْرُ
فَأُمَّةٌ كُلُّها في الْجَهْلِ رازِحَةٌ ***** وَجاهِلٌ حُبُّهُ الْأَغْلالُ وَالْأَسْرُ
مِنْ كُلِّ مَسْغَبَةٍ قُضَّتْ مَضاجِعُهُمْ ***** هَذا لَعَمْري جَزاءٌ كُلُّهُ خُسْرُ
فَاللهُ أَهْمَلَهُمْ وَالْخَوْفُ أَخْرَصَهُمْ ***** وَالْجَهْلُ أَغْطَشَهُمْ وَاللُّؤْمُ وَالْكُفْرُ
فَاسْتَمْتَعوا في حَياةٍ دونَ مَوْعِظَةٍ ***** وَالْحُمْرُ يُعْجِبُها الْبِرْسيمُ وَالنَّعْرُ
وَالْبَطْنُ تَمْلَأُهُ الْأَزْبالُ مِنْ رَغَدٍ ***** وَمُعْسِرٌ بَطْنُهُ مِنْ عالَةٍ قَفْرُ
يا سائِلي عَنْ عُيوبِ الْجَهْلِ أَذْكُرُها ***** فَالْبَطْنُ وَالْجِنْسُ وَالْأَحْلامُ وَالْفَخْرُ
فوجِئْتُ مِنْ بَعْضِ قَوْمٍ كَدَّسوا نِعَماً ***** إِذْ أَصْبَحوا قِصَصاً أَبْطالُها خَرُّوا
وَمُحْزِنٌ أَمْرُهُمْ مِنْ بَعْدِ ما ذَهَبوا ***** كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ في مُلْكِهِمْ يُسْرُ
وَأُلْزِموا حُفَراً مِنْ دونِ ثَرْوَتِهِمْ ***** مَأْوىً لَهُمْ طولُها في عَرْضِها شِبْرُ
واأَسَفاً هَكَذا الْأَيَّامُ تَدْفَعُنا ***** حَتّى يَعي جاهِلٌ ما ذَلِكَ الْقَبْرُ
وَكَوَّنوا حِزْبَهُمْ وَالظُّلْمُ مَبْدَأُهُ ***** وَلَيْسَ فيهِ حَليمٌ عادِلٌ حُرُّ
يا سائِلي لا تَقُلْ لي هَكَذا دَرَسوا ***** فَالذِّئْبُ مِنْ صِغَرٍ في طَبْعِهِ الْغَدْرُ
وَمَنْ تَعَوَّدَ شيْئاً شابَهُ أَبَداً ***** وَعادَةُ الدَّهْرِ أَنْ لا يَغْلِبَ الْخَيْرُ
اَلْبَعْضُ مُسْتَمْتِعٌ وَالْمالُ فِتْنَتُهُ ***** وَالْبَعْضُ مُحْتَقَرُ آمالُهُ صِفْرُ
ما بالُ وَضْعِيَةٍ أَمْسى بِها خَلَلٌ ***** وَما الْمُساواةُ إِلاَّ حُلْمَنا الْمُرُّ
نَبْني قُصوراً كَأَحْلامِ الصِّبا عَبَثاً ***** وَمُضْحِكٌ حالِمٌ إِنْ خانَهُ الدَّهْرُ
بِطالَةٌ أَنْهَكَتْ أَبْناءَنا فَسَعَوْا ***** في الدِّينِ سَباًّ وَمِنْ أَوْطانِهِمْ فَرّوا
وَفي بِلادِ النَّصارى سُخِّروا خَدَماً ***** وَحينَ عَوْدَتِهِمْ يُقْضى لَهُمْ أَمْرُ
مِنْ بَعْدِ ما شَبِعوا ذُلاًّ بِمَوْطِنِهِمْ ***** فَالْيَوْمَ أَضْحى لَهُمْ مِنْ ثَرْوَةٍ عُذْرُ
هَيْهاتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَخْزونُهُ ذَهَبٌ ***** فَلَنْ يَكونَ لَهُ في أُمَّةٍ قَدْرُ
ما عِزُّ قَوْمٍ سِوى أَمْوالُهُمْ شَفَعَتْ ***** وَعِزُّ ذو عالَةٍ يُهْجى لَهُ الذِّكْرُ
مَنْ كانَ دونَ ثَراءٍ عِلْمُهُ سَقَمٌ ***** وَجاهِلٌ ذو ثَراءٍ رَوْثُهُ عِطْرُ
فَذي الْحَياةُ لَها في الْأَرْضِ مَلْحَمَةٌ ***** صُروفُها عِلَّةٌ غاياتُها سِرُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشاعر مصطفى بلقائد.