مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجلة نجوم الأدب و الشعر

أدبي ثقافي فني إخباري
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المركز الثالث أسمهان الفالح ... تونس عن قصتها طائر الفينيق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زائر
زائر




المركز الثالث أسمهان الفالح ... تونس عن قصتها طائر الفينيق  Empty
مُساهمةموضوع: المركز الثالث أسمهان الفالح ... تونس عن قصتها طائر الفينيق    المركز الثالث أسمهان الفالح ... تونس عن قصتها طائر الفينيق  I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 27, 2015 1:16 pm

المركز الثالث أسمهان الفالح ... تونس عن قصتها طائر الفينيق
طائر الفينيق...)
حثّ الخطى، تعثرّتْ، تقدّم، تبعثرتْ، أمسك يدها، تردّدتْ. ألقى بها في غمار مكان يضجّ بالجموع، شهقتْ، تشبثّتْ بالبواّبة لا تريد التّقدم، جذبها بقسوة، نهرها، بكتْ، توسّلتْ إليه، تضرّعتْ أن اِرحم ضعفي و وهني، أن فك ّأسري. أبى، و أصر.ّ نهشتْها نظراتهم تفيض شفقة و تشفياّ. تقلّصتْ في مكانها. اِنكمشتْ تنعى عجزها و ضعفها و وجعها. هذا المكان تعرفه جيّدا إذ طالما أحبتّه و أدمنتْ أرجاءَه. اليوم تمقتهُ..ترفضهُ ..تنفرُ منه. تودّ أن تتلاشى على عتباته، تتناثر هباء.. أ يُعقل أن يفقد المكانُ ألقهُ و توهّجهُ و ألوانَه الربيعيةّ ليتلفّع في ثلاثة أياّم بأثواب داكنةٍ كستْها أوراقُ خريفٍ صفرٍ تتطاير هنا..و هناك..؟ تعثرّتْ في الدّرج، تدحرجتْ، سال دمٌ من أنفها،لم تأبه به. ساعدها هو على النّهوض. مسح ما سال بمنديله. ربّتَ على كتفها و الدّمع يكاد يترقرق في مآقيه. هذا والدها كما عرفتْه حنونٌ عطوفٌ محبٌّ. لكن لماذا اليوم تغيرّ و أضحى فظاّ غليظ القلبِ تتربّع على وجهه أخاديدُ الوجع و على فمه كلام متلفّع بالصمت ؟ سارا معا نحو القاعة عدد 2 و الأعين لا تكفّ عن تفحّصها و إحراجها. ِابتعد عنها دون أن ينبسَ بكلمةٍ. اِرتعدتْ بعض أوصالها وهي تهمّ بالدّخول إلى قاعة اِمتحان نهاية المرحلة الثاّنويّة. اِرتجفتْ قدماها. لابدّ أن تهربَ..لن تمكثَ هنا لحظة أخرى. و ردّدتْ بداخلها أنْ لا خيارَ لكِ إلاّ أنْ تواجهي قدركِ بجلد.. - أترضين بالهزيمة ؟ هل خَبتْ جذوة الطاّئر ولم يعد قادرا على التّحليق كذي قبل ؟ تماسكتْ بعسر على المقعد المخصّص لها. دقّ جرسُ المعهد كالرّعد معلنًا بداية الاختبار. اِستلمتْ من الأستاذ المراقب ورقة الإمتحان بأناملَ مرتعشةٍ. ألقتْ نظرات حائرة على المواضيع المقترحة أمامها في مادّة الفلسفة. غامتْ عيناها و تعثرّتْ نظراتها. تكدّستْ الحروف بعضها فوق بعض. تشابكتْ الكلمات. اِختلطتْ المفاهيم في ذهنها.. "ما الفلسفة ؟" سؤال بسيط معقّد في آنٍ كأنهّا لم تسمع هذا المصطلح من قبل؟
- أنسيتِ أيّتها المضطرّة المرتعشة أنّك تحصّلت ِعلى أفضل الأعداد في المادّة ؟ و أنّك كنتِ متفوّقة بل الأولى في المعهد؟ الجميع أشادوا بنباهتكِ و تميزّكِ؟ أفي هذا المقام تتلاشى عزيمتك ِ؟ أطرقتْ ْشاردة الذّهن و عيناها لا تفارقان الورقةَ. حضرتْهاَ كلماتُ أختها الصّغرى :
_ " لا شكّ أنك ستصطحبينني إلى كليتّك السّنة القادمة..أليس كذلك ؟ و أضافتْ شقيقتها بسمة: كيف هو شكل معمارها ؟ هل تحتوي على ألعاب و أرجوحات ؟ هل ستشترين لي من هناك قطعة مثلّجات و حلوى ملوّنة ؟ أرجوكِ وافقي لنلهو و نمرح معا ..عديني. "
و يرجّ رأسَها نحيبُ أمّها، و تدقّ داخل أذنيها قرعاتُ طبُول عذابٍ مؤلمة.. إنّها تتذكّر جيّدا أنّها طوّقتْ أختها بذراعيها طويلا. ضمّتها إلى صدرها، و اشتمّتْ رائحة طفولتها المعطّرة بلهفة و كأنّها تنتظر عجاف السّنين ! عويل والدتها يشتدّ..يخترق نياط قلبها..يمزّقها تمزيقا .. ماعادت و هي تقلّب الأوراق قادرة على رتق ما تمزّق من الكيان..تمسكُ رأسها بكلتا يديها.. تميد الأرض تحت قدميها المرعوبتين..الأصوات تتداخل ..تتزاحم في ذاكرتها..اِستعادتْ قولها:
-" أمّي ..عليك أن تلغي رحلتكِ..عودي بسرعة. "
لكن ماذا حدث في غيابي يا جهاد؟ الوقت يمرّ و هي تخط ّبعض الخربشات على الورقة بقلم أسود..تنشطرُ ذاتهَا ..يتصارع ضدّاها..
- عليكِ أن تتماسكي..
- لا أستطيع...
- الحياة توق و طوق..
- لست طائر الفينيق الصّبور الصّامد..
- بل انفخي على رمادكِ ..لتتشكّلي من جديد و تحلّقي مثله..
و تذكّرت قولة المتنبّي شاعرها المفضّل :
" ألا لا أري الأحداث حمدا و لا ذما ***فما بطشها جهلا و لا كفّها حلما ؟ "
- و ردّدتْ سرّا قولته :
" حرام على قلبي السّرور فإنّني*** أعدّ الذّي ماتت به بعدها سماّ "
ألقى الأستاذ المراقب نظرة قصيرة على ساعته و نبّه إلى اِنقضاء نصف مدّة الاختبار .." هيّا أسرعوا في الانتقال من المسودّة إلى كتابة سليمة..الزّمن يمرّ.. أسرعوا.."
تحاول بآرتباك حسم أمرها الذّي طال أكثر ممّا ينبغي، و اِختيار أحد المواضيع من الثّلاثة المقترحة و الشّروع في التّحرير و تلافي ما فات من وقت.
_والدتك أيّتها التّلميذة المتردّدة لن تغفر لكِ جحودكِ و نكرانكِ الجمبل إذ كيف تتجاهلينَ وجعها و تركتها سجينة أحزانها تسعيْن إلى تحقيق حلمكِ ؟ حطّت أوجاع الذّاكرة على الحاضر و اِنسكبتْ دموعها غزيرة محرقة مستعيدة حادثة مرّت عليها أيّام ثلاثة : " كانتْ فتاة في بستانها الثّامن، حسناء، ذكيّة، فطنة.. اِرتفعتْ حرارتها ذات ليلة قائظة، حملناها إلى المستشفى الجهوي ّبالمدينة السّاحليّة ليردّوا إليها أنفاسها المتقطّعة و لم نكن نعلم أنّهم سيسحبونها منها و يحتفظون بها . مكثتْ هناك يومين..لكنّ خطأ طبياّ وضع حدّا لحياتها ..حقنة غادرة اِنسكب سائلها في شرايينها ..و نفث فيه السّموم فانفجر كبدها.
ماتتْ حمامة البيت الوديعة و قد كنتُ خبّأتها سنين عددا ببن أضلعي ..كنتُ أراقب جناحيها الصّغيرين الهشّين النّاعمين و هي تنمو متهيّئة للطّيران عاليا دون جدوى. كنتُ في غمرة الزهو.. أرنو إليها و هي تطير متعثّرة ترتفع لتسقط ثمّ تحلّق من جديد غير عابئة بمحاولاتها المضطربة ناشرة الفرحة و الأمل في النّفوس حيثما حلّتْ لتؤوب متعبة مبتهجة إلى و كرها الوديع فتنام قريرة العين بين أحضاني. ماتتْ فراشتي الملوّنة فبكاها الرّبيع. و ناحها العندليب.و كفنتها نجوم السماء. كيف لجسدها الصّغير الناّعم النّابض حياة و حيويّة أن يسكن أو يهدأ ؟ هو الآن مسجّى على ظلّي في مهبّ ّالغياب أبكيه بحرقة أنا و والدتي و الإخوة و الأحبّة.
موعد اِنقضاء الامتحان يقترب رويدا رويدا ..يكاد يداهمها ..إلاّ أنّ غيوم الذّاكرة تأبى أن تنقشع ليتجلّى حاضرها :
في يوم حزين غائم وضعوها في جوف صندوق خشبيّ بارد ..سدّوا عليها منافذ الهواء ..و اِنطلقوا بها نحو مرقدها الأبديّ في موكب كانت تتصدّره أمّ ثكلى و هي تتمرّغ في التّراب و تلطم الخدّين و الصّدرا..أحاطت بها نسوة منتحبات يؤجّجن نيران الحزن و أخريات مزغردات يهدّئن من روعها :
" ابنتك عصفورة جنة حرام عليكِ أن تحرقيها بدموعك..."
لم يتبقّ من زمن حصّة الاختبار الكثير..لا أحد يكترث بها أو يهتمّ بأمرها بينما ما فتئتْ هي غارقة في أنهار أحزانها و أوجاعها و لوعتها..التّلاميذ من حولها يكدّون و يلهثون جريا لتحقيق أحلامهم..وهي تصارع طريقها الوعرة وحيدة تتعثرّ في ثناياها.. لعينة هذه الذّاكرة! و لعين هذا الحاضر الشّقيّ المحاصر بها !
- هيّا يا اِبنتي علينا العودة إلى البيت..
- لكنّنا دفنّاها للتوّ يا أبي..حبيبتي ألا يتّسع مرقدكِ لكلينا ؟
- كفى ..كفى..علينا المغادرة.
دلفتْ إلى المنزل بعد تردّد. حاصرها الحضور الموجع لجسد أختها الملطّخ بدم الجريمة. ثيابها مبعثرة في كل مكان، أحذيتها، كتبها، أقلامها..أغمضت عينيها، لاذتْ بالغرفة المجاورة، طوّقها أنين أمّها، نحيبها ..سدّت أذنيها ..اِشتدّ الصّراخ ..فتحتْ الخزائن تبحث عن مصدر الصّوت، فتّشتْ تحت الأسرّة...يال هذا الجنون ! و غابتْ عن الوعي لتجد نفسها إثر ذلك في منزل أحد أصدقاء العائلة..هنا ..في هذا المكان ستقضّي فترة الامتحانات. " حاصر حصارك لا مفرّ " نعم ..لقد حاصرها الوقت و لا مفرّ من محاصرتها الذّاكرة و كبح جماحها. نظرتْ إلى السّاعة. كفكفتْ حزنها..أقبلتْ على الاختبار بإصرار و رغبة في النّجاح.
و مرّت فترة الامتحانات ثقيلة..و هي تلهث وراء الزّمن الهارب إلى أن أمسكتْ بأذياله و روّضته و تغلّبت عليه .
* * * * * * * * * *
و بعد أياّم تم الإعلان عن نتيجة الاختبارات و المناظرة. و تصدّرت قائمة النّاجحين رغم المحنة و الأوجاع...هل ستتعالى الزّغاريد و تعمّ الفرحة أرجاء المكان ؟ هل ستتبدّد وحشته و تحوّل الأحزان الجاثمة على الجدران إلى فرحة مسروقة ؟ كم ستكون عظيمة الفرحة بالنّجاح ! اِهتزّتْ ..ضحكتْ ..شهقتْ فرحا، ركضتْ نحو الشاطّئ ..بحثتْ عن أختها بسمة في وجوه المصطافين ..لمحتْ طيفها تتقاذفه الأمواج..
- حبيبتي ..لقد حقّقتُ حلمك الصّغير..حلمنا..سأصطحبك إلى الكليّة مثلما وعدتكِ. و فزعتْ فزعا للمشهد ..إنّها تغرق أمام ناظريها هرعت إليها ..اِنتشلتها ..ضمّتها إلى صدرها بحنان..
- بسمة..ألم أنبّهك بألاّ تسبحي إلاّ معي ؟ و تصطحبها و ترتميان في أحضان القرية السّاحليّة. تجريان...تترنّمان..تجوعان..تشتريان فطائر لذيذة بالعسل ..تلتهمانها بشراهة..تطويان الأنهج و الأزقّة..تقصدان نادي الأطفال..تلعبان بالأرجوحات والعيون تلتمع بألق نادر إلى أن جاء موعد العودة.
_" الجميع ينتظرون وصولنا "
. تشتدّ حركة المهنّئين في الدّاخل. يتقدّم الجمع إلى الأمام. ترتدّ هي إلى الوراء . يشتد الضّحك و الهتاف. تسدّ أذنيها. تلمع الأضواء. تتراقص المصابيح على سطوح المنازل المجاورة جذلى تهنئّ بالنّجاح. تغمض عينيها. المنزل سور يعلو و يعلو يسدّ دونها أبواب الأمل..جدرانه أفاع تتمايل و تتربّص بها..تلاحقها..تهرب. تتعثّر. تختنق. تتراقص أشباح أمام ناظريها. تسقط على الأرض في شبه غيبوبة الفرحة لفظتها..و بسمة فارقتها ! و ما ضرّ أن يكون التميزّ من نصيبها و الفرحة لغيرها؟ العويل و النّحيب في منزلها يسدّ آذان الأفق و الزّغاريد تتعالى في المنازل المجاورة ؟
****
- إلى متى تستمرّ هذه الذّاكرة اللّعينة في فرض طوقها المحكم؟
***
اِستعادتْ القليل من توازنها دلفتْ إلى غرفتها. تزيّنتْ. تعطّرتْ. خلعتْ عنها السّواد الحالك و اِرتدتْ ملابس ملوّنة. حملتْ حقيبة صغيرة و سارتْ في دروب الحياة..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المركز الثالث أسمهان الفالح ... تونس عن قصتها طائر الفينيق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مجلة نجوم الأدب و الشعر :: إرشيف آسمهان الفالح-
انتقل الى: