المركز السادس سهام عبدالسلام ... مصر عن قصتها دعنى أحلم
دعنى أحلم
جاء القطار فى موعده و عرف كل مسافر مكانه و استقر فيه و بدأ رحلته من الأسكندرية الجميلة إلى قاهرة المعز، الوقت يمر ثقيلا على الركاب فبدأ كل راكب يفكر فى طريقة يقتل بها هذا الوقت و تعددت الطرق ؛ فمنهم من يقتله نوما و أخر فى القراءة أو فى محادثة جاره .
من بين هؤلاء كانت هناك فتاة جميلة فى العقد الثالث من العمر و قد أمسكت بمجلة نسائية تتصفح صفحاتها و بجانبها شاب وسيم و أنيق فى العقد الرابع من عمره ، و قد وجد هذا الشاب ان أفضل طريقة لقتل هذا الوقت هو الآهتمام بجارته الحسناء ذات الملبس الأنيق مع بساطته الي ان تنبهت الفتاة لنظرات جارها فأربكه تنبهها اليه بشدة و حاول
ان يبدأ حديث من أى نوع ليخفى خجله
- هذه المجلة شيقة للغاية فشقيقتى حريصة على أقتنائها .
- أجل و لكنها لا تهم الا النساء فقط .
- معذرة لم أقصد اية نية سوء و كل ما فى الأمر انها لفتت نظرى .
فسألته فى خبث و ابتسامة على شفتيها :
- - من ياترى لفت نظرك ؟
فأجابها و ابتسامة خبيثة على شفتيه :
- - انستى معذرة الرحلة طويلة و انه شىء طبيعى ان ينظر المرء فى هذه الرحلة الى كل ما حوله و من حوله و من الطبيعى ايضا ان يزداد اهتمامه بجاره .
- انا أعلم هذا جيدا و القراءة بالنسبة اِلى هى الشىء الوحيد الذى يسلينى و
مع ذلك فانا لا أعتبر رحلة السفر بالقطار مملة بل على العكس هى بالنسبة لى ممتعة جدا ، و لذلك فسفرى بالقطار هو المفضل عندى .
-- و لكن اليس سفرك وحدك هذه المسافة الطويلة قد يعرضك للمضايقات .
-- لا أعتقد ذلك فالسفر بالقطار أمن ، و قد ألح على والدى ان أسافر بسيارتى
و ان يقودها لى السائق و لكنى رفضت فأنا أعشق البساطة .
-أجل و هذا واضح على ملبسك و على مظهرك فالبساطة هى قمة الاناقة
-أعلم هذا و ذلك مع كونى الأبنة الوحيدة لرجل ثرى جدا .
-ان لبساطتك فى الحديث لشىء أجمل يا أنستى .
-سيدى التكبر ليس من صفاتى فأنا أحب الناس لأننى وحيدة أبى الذى يغمرنى بحبه لكونى وحيدته و لحرمانى من أمى فى سن مبكرة مما جعله لا يبخل على بأى شىء من حب أو مال أو رعاية .
-انك فعلا سعيدة الحظ ان تتمتعين بأشياء لا ينالها أمثالك من طبقتى المتوسطة الذين يلهثون وراء كل متطلبات الحياة و لا يجدوها .
- صدقنى لو قلت لك أننى كنت أفضل هذه الحياة بدلا من حياتى هذه التى لا معنى لها و لا قيمة ، كنت أتمنى لو اننى أتعب و أنال ثمار تعبى ، أستقل الاتوبيس بدلا من سيارتى ، آكل الفول و الطعمية كل يوم ، أنتظر أول كل شهر لآسدد التزاماتى ، أفرح بالملبس الجديد الذى أشتريه من الحين الى الحين .
- لا يوجد على الارض من يرضى بحاله .
وانتهت رحلة القطار و هم على ما هم عليه من ضيقها من حياتها المترفة
و ذكرها لمظاهر ثرائها و من دهشته من موقفها و حسده لها على ما تعتقد
انه مثير للشكوى . الا ان وصل القطار الى النهاية مثله مثل اى شىء فى
الحياة له بداية و نهاية و نزل كل منهما مع ركاب القطار وودع كل منهما
الاخر و خرجا من مبنى السكة الحديد و اذا بعربة انيقة لها سائق لا يقل
أناقة تنتظرهما و تنطلق من العربة طفلة جميلة فى السادسة من عمرها و
تجرى فى اتجاه الفتاة :
- دادة منى لقد طلبت من عم محمود ان يأتى بى الى هنا لنأخذك حتى تحضرى حفلة عيد ميلادى .
وهنا تلعثمت الفتاة و دارت بها الدنيا و شعرت بشعور من ظل يبنى بيتا فى
الرمال و يزينه و صور له خياله بأنه بيتا حقيقيا ثم فجأة تأتى عاصفة تهدم
بيته و تزرى بزرات الرمال فى عينه و عين من حوله ، ثم أتجهت بنظرها
الى الشاب الذى وقف مندهشا مذهولا لا يدرى ماذا يقول فبادرته الفتاة :
- لا تندهش يا عزيزى انا فعلا مربية هذه الطفلة ، فأنا فتاة فقيرة جدا
حاصلة على مؤهل جامعى و أعمل مربية لهذه الطفلة و أعيش حياتى
بصعوبة تفوق صعوبة الحياة التى يعيشها أبناء طبقتك و عملى لدى أسرة
ثرية و ان كان قد ساعدنى قليلا الا انه لم يغير من كونى فقيرة
- و لكنك قلتِ لى .........
- أعلم ما قلته لك و لكنها ليست الحقيقة و لكنها أحلامى ،فأنا أبنة مع تسعة
من الاخوات و ابى فقير و لكننى حلمت بان أكون وحيدة أب ثرى، و لكن
قل لى ماذا يضيرك لو أننى أخبرتك بأننى فتاة مرفهة مع أننى انسانة
تعسة؟
- انه كذب !
-لا انه حلم أردت ان أحققه على أرض الواقع ان أعيشه و لو لساعات
قليلة ثم أعود مرة أخرى لحياة الفقر . أكثيرا على من عاش عمره كله
فى تعاسة ان يعيش قليلا من السعادة و لو كذ ب ؟
ثم أبتسمت منى أبتسامة باهتة
- شكر لك لانك تركتنى آحلم .
و مضى كلا الى طريقه
تمت