مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجلة نجوم الأدب و الشعر

أدبي ثقافي فني إخباري
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصّـــــــــــــة : لأجلـكَ لا يهمّنــــــــــــــي الرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــل...السعيد محرش الطارف ـ الجزائرـ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زائر
زائر




قصّـــــــــــــة : لأجلـكَ لا يهمّنــــــــــــــي الرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــل...السعيد محرش الطارف ـ الجزائرـ Empty
مُساهمةموضوع: قصّـــــــــــــة : لأجلـكَ لا يهمّنــــــــــــــي الرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــل...السعيد محرش الطارف ـ الجزائرـ   قصّـــــــــــــة : لأجلـكَ لا يهمّنــــــــــــــي الرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــل...السعيد محرش الطارف ـ الجزائرـ I_icon_minitimeالإثنين فبراير 08, 2016 12:31 pm

على تلك الرّبوة ـ الهضبة ـ المشرفة على مدينة عنابة ، الصّاخبة بحركتها الدائمة ، يقع الكوخ المتهالك لبشير الاسكافي ، بين مئات الأكواخ الفقيرة ، التي لا همّ لأصحابها الا البقاء بين الأحياء ، في خضم المعترك الدامي للحياة القاسية ، فالقضية عندهم لا تعدو أن تكون مسألة حياة أو موت ، تتطلّب كفاحا مريرا و مضنيا ، لا ينقطع الا بانقطاع تردد الأنفاس في صدورهم .
كوخ صمد أمام السّيول النّوازع ، و زمجرة الرّياح الزّعازع زمنا طويلا ، و لم تنل منه رغم شدّتها الشيء الكثير ، كما صمد من يعيش بين جنباته ، لما ترمي به الأقدار بين الفينة و الأخرى ، و تتعهّد به بني الانسان ، من فاجعات الدّهرو أهواله .
عاد بشير عشيا إلى بيته ، بخطى ثقال تجر خلفها هموم سنوات طوال خلت ، منهك البدن ، بأنفاس تكاد تنقطع ، و قد غارت عيناه و فارقهما بريقهما المعهود ، الذي اختفى تحت سحائب الحزن ، التي لبّدت سماء نفسه الصافية فجأة ، و اصفر وجهه وتلاشى ضياؤه كما يتلاشى نور الشمس عند المغيب ، و غادرته ابتسامته المشرقة التي طالما سعدت بها زوجته دليلة و ابنته لُبنى عند عودته إلى حضن بيته الدافئ .
ما إن دخل إلى الحوش حتى سقطت الأغراض من يده المرتعشة ، و تفصّد العرق البارد من جميع بدنه ، فجثى على ركبتيه ممسكا بصدره الذي مزّقته الآلام المتتالية و الأوجاع المفاجئة . تماسكت دليلة و خبأت مخاوفها العميقة ، لكي لا تزد في اضطراب زوجها و جزع ابنتها الوحيدة ، و أومأت ـ أشارت ـ لها لتكفّ عن البكاء و تكفكف دموعها الغزيرة ، دموع كانت تزيد من ألم الوالد العليل ، و تحرمه هدأة النفس و سكونها .
أخذتاه إلى فراشه و بدأت دليلة تطبّبه بالأعشاب ، لعلّها تخفف عنه و طأة المرض ، كما جرت به عادة النساء عندنا ، إذا اعتل أحد أفراد الأسرة و توعّك . باتت لبنى تتقلّب في فراشها لم يهدأ لها بال و لم تقرّ لها عين حتى مضى الهزيع الأول من الليل ، و عبراتها ـ دموعها ـ الحرّة تنسبل على خدّيها كلّما ذكرت أباها المسكين ، و ما تجرّع من آلام في تلك العشية المشؤومة ، و لم تكتحل غماضا ـ تنم ـ حتى تراقصت عرائس ضياء الصباح على وقع صياح ديكة الحيّ ، فأغفت إغفاءة صغيرة ثم نهضت فزعة تسأل عن أبيها.
أما دليلة فباتت قائمة على صحة زوجها جيئة و ذهوبا ، تتحسس حرارته و تعد أنفاسه جزعا عليه ، حتى طلع النهار، فأخذته إلى الطبيب الذي جزم بأنّ قلبه يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة ، تتطلّب مبلغا ماليا ضخما ، يساوي ثروة في ميزان الفقراء و المعدومين ، و إن لم تُجرَ له في غضون أسبوع ، سيخسر حياته و يرحل إلى عالم الفناء .
سألت لبنى أمها بعد أن علمت بما أخبر به الطبيب : ما العمل يا أماه ، و نحن لا نملك من المال ما يفي بالغرض ؟
ـ دليلة : سأطرق يا بنيتي أبواب الأقربين من الأغنياء لعلي أدرك ضالتي عندهم ، ثم توجّهت على عجل تحث الخطى نحو المدينة تنتقل من بيت فاره ـ فخم ـ إلى آخر من بيوت أولئك المترفين ـ الأغنياء ـ ، و لم تعد الا في ساعة متأخرة من النهار .
لما رجعت استقبلتها لبنى مستبشرة بعودتها ، الا أنها سرعان ما تغيّرت سحنتها ـ هيأتها ـ لمّا رأت أمارات الحزن مرتسمة على محيا والدتها الحزينة .
ـ لبنى : مالك يا أماه ، و كأنك لم تنال ما كنت تشتهين ، صمتت دليلة برهة من الزمن ، ثم انفجرت باكية و هي تسرد لابنتها ما لاقت من نظرات شزراء و عبارات استهزاء ممن ظنّتهم الأهل و السند ، وما جادوا به في آخر المطاف سوى دريهمات على مضض ، أضافت عليها ثمن حليّها فوجدتها لا تسد الحاجة ، و لا تبلغ عشر المبلغ المطلوب .
ـ لبنى : لا تكترثي كثيرا يا أماه سنتدبّر الأمر وينجو أبي مهما كان الثمن ، ثم أطرقت و قالت في نفسها : بات لزاما عليّ أن أقوم بما ليس منه بدّ القيام به . اضطربت دليلة من نبرة ابنتها ، و لكنها سرعان ما نسيت ذلك في غمرة أحزانها تلك .
نهضت لبنى مسرعة الى غرفتها ، فأجرت مكالمة طويلة مع مجهول ثم ارتدت ملابسها و عدّلت هيأتها ، و حملت حقيبتها لتتجه الى الجامعة لإجراء الامتحانات . و قبل أن تغادر مرّت على أبيها المنهك في فراشه ، فسلّمت عليه و كان يلاحقها بنظرات الوالد الشفيق ، ليشبع عينيه منها كمودّع للدنيا ، ثم اتّجهت الى أمها فعانقتها و طمأنتها بأنّ الفرج قريب ثم غادرت .
سهرت دليلة ليلتها تلك تضرب أخماسا في أسداس ، تفكّر في ما ألمّ بزوجها ، و تبحث عن المخرج لانقاذه من الهلاك المتربّص به ، حتى عانق الكرى عينيها رغما عنها من شدة الاعياء. و لمّا أفاقت عاودتها الهموم من جديد تجوب نفسها الكسيرة ، و تعربد بذهنها المتعب أسوأ الأفكار و أحلك الوساوس .

و بينما هي غارقة في بحر هواجسها المتلاطم الأمواج ، إذ سمعت قرعا خفيفا على الباب ، فبادرت بفتحته ، فوجدت شيخا في الخمسينات من العمر بلحية خفيفة قد خطّها الشيب ، يلبس بدلة عصرية ، بادرها بالسلام و أنشأ يقول : عذرا سيدتي على الازعاج قد أبلغ صاحب الشركة التي أعمل بها أحد جرانك بمرض زوجك و ما يحتاج إليه من جراحة ، فأرسل اليك المبلغ كله و زيادة مع دعائه لزوجك بالشفاء العاجل و ناولها حقيبة الدراهم ثم رحل.
بقيت دليلة مشدوهة ـ حائرة ـ ، لا تكاد تصدّق ما رأت و سمعت ، و ظنت نفسها مازالت في الفراش تحلم حلما جميلا يتوافق و ما تتوق له نفسها ، فعادت الى الغرفة تسأل زوجها: هل هذه حقيبة أم أنا أحلم يا بشير ؟ فأكّد لها أنها حقيقة لا مراء فيها ، و طمأنها بأنّ أهل الخير و الصلاح لا تخل منهم الدنيا ولا يقفَر منهم ساح .
و ما هي الا هنيهة حتى رأت بشير قد أغمي عليه ، فنادت الاسعاف و توجّهوا به مباشرة إلى غرفة العمليات في أكبر عيادة خاصة مختصّة في جراحة القلب و الشرايين ، فأجرت له العملية التي نجحت بسلام .
كانت دليلة تهتف لابنتها فتجد هاتفها مغلقا على غير ما اعتادت منها ، و مما زاد في حيرتها و هلعها أنها لم تسأل عن أبيها منذ دخوله المشفى ، و قد مرّ على ذلك يومان كاملان . سألت عنها صديقاتها بالجامعة فأخبرنها أنها لم تلتحق بالصفوف لاجراء الامتحانات ، و أنهنّ لم يروها منذ أسبوع مضى .
لعبت الظنون بدليلة و تقاذفتها رياح الشكوك في كل واد ، و أيقنت أخيرا أنّ ابنتها هربت مع شاب مجهول تمكّن من السيطرة على قلبها ، و أكّد لها ذلك ما عثرت عليه مكتوبا على ورقة بجانب فراشها و بخط يديها ( لقد سكن حبك بين أضلعي حتى بتّ أغلى من نفسي التي بين جنبيّ و لأجلك لا يهمّني الرحيل و مغادرة الأحبّة يا أثمن ما أملك في هذا الوجود )
ناحت دليلة حتى أعياها النحيب على خسارة ابنتها ، و ضياع تربيتها و هي تقول في لوعة : أهذا جزاء أمك التي حرمت نفسها مآثر الحياة و زينتها ، لتجمّلك في أعين الناس ؟ أهل هذا الثمن الذي سيقبضه أبوك العليل ، الذي أدمت المطرقة يده من خسف النعال ، على ضفاف الشوارع طيلة سنوات عمره ، حتى أضناه المرض لأجل أن تدرسي ، و يوفّر لك الظروف لذلك ؟ منذ متى كان العار و الذل يقدَّمَان هديّة لمن أحسن و آثر على نفسه اللقمة و الكساء و الدرهم ، في أحلك الأيام و الليالي يا بنيتي ؟

ليتك ما وُلدت يا لبنى ، و ليتني متُّ قبل هذا اليوم الذي صفعتني فيه برزيّة الدهر التي لا تبرأ مهما تقادم الزمن ، لقد طعنت أباك طعنة نجلاء ـ قاتلة ـ لا يتحملها أبدا ولا يصمد أمامها طرفة عين ، و حفرت له قبره بعد أن حكمت عليه بالموت الآكد ، فكيف أفجعه بالخبر القاتل و أشاركك جرمك ؟
لازال بشير في غرفة الانعاش يتعافى ببطئ ، و يسأل عن ابنته الوحيدة و دليلة تخترع الكذبات لتطمئنه و تأخّر الخبر إلى حين.
خرجت دليلة من عند بشير تسير على غير هدى بين أجنحة المشفى ، فأخطأت الطريق و بينما هي تفتش عن المخرج ، أبصرت ذلك الشيخ الذي قدّم لها حقيبة الدراهم واقفا على جانب أحد الأسرة يعود مريضا له ، فاقتربت منه لتشكره و تسأله عن حال مريضه ، و لمّا دنت اكتشفت أنّ من كان على السّرير ابنتها لبنى ، فلم تتمالك دموعها المنسبلة و هي تتساءل في حيرة عما جرى لوحيدتها .
فتقدّم الشيخ منها و قال : هدّئي من روعك يا سيدتي سأخبرك القصة ، إنّ لي ولدا في سن ابنتك قد أصيب بفشل كلوي لا نجاة منه الا بزرع كلية جديدة له ، فطلبت في وسائل الاتصال كلها من يبيعني كلية تنقذ حياة ابني الذي لا أملك غيره بعد وفاة أخيه ، مقابل ما يشاء من المال ، فاتصلت بي ابنتك و حكت لي قصة والدها ، فعزمنا على أن نحيي أحبّتنا ، و طلبت مني أن أحتفظ بسرها حتى لو رحلت عن الحياة من أجل أبيها ، و لكي لا تنغص عيش والديها الحبيبين من بعدها ، فوعدتها بذلك .

إنّ لك يا سيدتي ابنة عظيمة تحبّ أباها حبا لا نظير له في هذا العالم ، كانت تركب الكرسي المتحرك و تزوره عند نومه خلسة بعد أن أجرى العملية ، فتبقى تناجيه من خلف زجاج غرفة الانعاش بعبارات الود و الاحترام ، و تعدد تضحياته ببكاء شجيّ يذيب القلوب حتى تبكي الأطباء و الممرضات و من حضر ، يا لها من فتاة بارة تحسدين عليها .
جثت الأم المسكينة و أخذت تقبّل ابنتها و تعانقها ، و هي آخذة بيديها و عبراتها لا تنقطع ، و تقول في حسرة على ما بدر منها : سامحيني يا صغيرتي لقد ظننت بك الظنون التي عصفت بمشاعري في لحظة من ضعفي ، خارت فيها قواي و تشتّت رشدي ، بسبب الأحزان التي اجتاحت نفسي ، كما تجتاح الأعاصير البساتين و الرياض ، فلا تبقي فيها و لا تذر، بينما كنت أنت تقتطعين عضوا من جسدك ، لترفعين عن كاهلي ثقلا هدّني ، و تشترين به الحياة لأبيك و تضحّين بزهرة شبابك لتعيدين البسمة لكلينا ، ما أقساني ما أقساني .
احتضنت لُبنى والدتها و هي تقول : لا عليك يا أماه و الحمد لله أولا و آخرا على سلامتنا جميعا ، تعجّب الشيخ من حكمة هذه الشابة ، و قال في نفسه هذه جوهرة نادرة قلّما يجود زماننا بمثلها ، و قرر أن تكون زوجة لولده و أمّا لأحفاذه ، و عرض على ابنه الأمر ، فسرّ بذلك لمّا رأى محياها الجميل ، عاشت لبنى حياة طويلة كلّها عطاء للقريب و البعيد على حد سواء ، كالبحر الزاخر الذي لا تنقضي منحه و هباته و أمست صورة للتضحية النادرة نحتتها الأقدار لتبقى أيقونة الأجيال .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصّـــــــــــــة : لأجلـكَ لا يهمّنــــــــــــــي الرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــل...السعيد محرش الطارف ـ الجزائرـ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مجلة نجوم الأدب و الشعر :: إرشيف الكاتبة رشا الحسين-
انتقل الى: