الحلم بالطيران:
الكثير منا يرى نفسه يحلق فى الهواء أو يرقب شوارع المدينة من مكان مرتفع أو يسقط من أعلى، غالباً يكون الحلم مصحوباً بالمتعة و الإثارة و القلق. البعض يفسر هذا بحركة الرئة، دخول و خروج الهواء يجعلنا نحلم بالطيران. البعض الآخر يفسره بحاسة اللمس، عندما تكون النافذة مفتوحة، تيار الهواء يجعلنا نرى هذا الحلم. آخرون فسروه بحاسة السمع، إنها زقزقة العصافير بجوار أذن النائم. لكن "فرويد" لم يقنع بهذه التفسيرات. بدأ الدراسة بأسلوب تداعى الأفكار حول كل جزء منفصل من الحلم.
فتاة صغيرة قالت له أنها حلمت بنفسها تسير فى الشارع، حولها عدد كبير من الرجال لكنها لم تشعر بالخوف أبداً، بل الثقة و الشجاعة، كانت تطير فى الهواء على إرتفاع عدة سنتيمترات من الأرض. عن طريق تداعى الأفكار، إكتشف أن هذا الحلم يحقق لها أكثر من رغبة بالتكثيف. من ناحية لأنها كانت قصيرة و ترغب فى الطول، و من الناحية الثانية كانت والدتها تخشى عليها كثيراً من الإختلاط بالرجال و السقوط فى الرذيلة. الإرتفاع فى الهواء يُمثل لها علو المكانة و العفة و الشرف. كأنما تُثبت لأمها أنها مازالت تحتفظ بعفتها بالرغم من وجودها بين الرجال فى الشارع.
"فرويد" لم يعتبر هذا الحلم نموذجياً لأنه يُمثل حالة فردية. الحلم النموذجى هو الذى يكون له نفس التفسير عند الجميع.
بتحليل عدد كبير من أحلام المرضى و الأسوياء من الأقارب و الأصدقاء بأسلوب التحليل النفسى و تداعى الأفكار، إكتشف أن هذه الأحلام تعود إلى إنطباعات الطفولة، تذكرنا بالألعاب اللطيفة من وجهة نظر الأطفال. من هو الطفل الذى لم يحمله عمه أو خاله و يتجول به فى الغرفة مرفوعاً على ذراعيه كأنه يطير فى الهواء؟ من هو الطفل الذى لم يضعه الكبير فوق مكان مرتفع و يطلب منه القفز إلى أحضانه؟ كل إنسان مر بهذه التجربة. الأطفال يصرخون فى نشوة و يرغبون فى إعادة اللعبة. إنها تحركات الطفولة: الجرى و الملاحقة و الإثارة، التى تعيد إنتاج هذه الأحلام بالطيران و السقوط و الإحساس بالدوار. هذا الدوار يثير إنتباه الأطفال كثيراً. لكن هذه الألعاب المثيرة تكتمل، عادةً، بالبكاء و الدموع. و من الملاحظ أن هذه الحركات تثير فى الطفل إحساسات جنسية غامضة، و تظل هذه الرغبات مكبوتة بداخلنا طوال العُمر و تظهر لنا من حين لآخر فى شكل هذا الحلم، ربما هو الحنين إلى جنة الطفولة، لكننا ننسى الأيدى التى تحملنا أو تلقفنا عندما نسقط من أعلى، و هذا سبب آخر للشعور بالقلق.
ترى هل "عباس بن فرناس" كان يرغب فى العودة إلى جنة الطفولة؟ هل لاعبى السيرك و هواة القفز بالمظلات يشعرون بهذه الإحساسات الجنسية؟