مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجلة نجوم الأدب و الشعر

أدبي ثقافي فني إخباري
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الطريق....بقلم الكاتب عادل سلامة.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زائر
زائر




الطريق....بقلم الكاتب عادل سلامة. Empty
مُساهمةموضوع: الطريق....بقلم الكاتب عادل سلامة.   الطريق....بقلم الكاتب عادل سلامة. I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 13, 2016 7:43 pm

قصة قصيرة بقلمي
الطريق
مرت ساعة كاملة وهو مازال يتجول بالشوارع المجاورة لمنزله على غير هدى وبلا هدف محدد , وبدون أن تأتيه الرغبة أو القدرة على العودة للمنزل برغم تأخر الوقت , كان يعلم جيداً كيف ستكون ردة فعل زوجته حين ترى نتيجة التحليل التي يمسكها بيده , فقد مر بهذا الموقف مرتين من قبل وللأسف لم تكن الثالثة هى الثابتة كما يقولون , النتيجة واحدة فى كل مرة لا تتغير , هو لن ينجب أبداً لأنه مصاب بعيب خلقي لا يستجيب لأي علاج , فكره مشتت مضطرب وقلبه يائس محبط , وأسئلة لا إجابة لها ولا مفر منها تحاصره من كل اتجاه فتزيد إحساسه بالعجز , هل ستتقبل زوجته ذلك الوضع وتتخلى للأبد عن حلم الأمومة الذي طالما حلمت به؟ , كيف سيستطيع هو أن يكمل حياته بصورة طبيعية ويتغلب على ذلك الشعور الخانق بالنقص والحرمان ؟ , ولماذا اختاره الله دون غيره ليبتليه بذلك المرض الذي لن يستطيع علاجه حتى لو أنفق كل ثروته ؟ , كان يمشي مطرق الرأس غارق في الأفكار والخواطر القاتمة , حتى اكتشف أنه قد تجاوز الرصيف وبدأ يسير بتقاطع الطريق بين السيارات , فرفع بصره وأخذ ينظر يميناً ويساراً استعداداً لعبور الشارع , فالتقت عيناه بعيني ذلك الطفل .
طفل صغير لا يتجاوز الرابعة من العمر يسير ممسكاً بيد والده , طفلاً قد يبدو عادياً للكثيرين ولكن ليس بالنسبة له , ربما ساعدت حالة الحرمان التي يعيشها في افتتانه بهذا الكائن الملائكي سريعا ً , وفي رؤية كل تفاصيله أخاذة تأسر القلب وتسلب النظر , ثيابه الجميلة المنمقة , شعره الناعم الكثيف المصفف للجانب الأيمن بعناية , وجهه المستدير الممتلىء قليلاً وعينيه الواسعتين الحالمتين , حركاته البريئة العفوية وقفزاته الصغيرة التي تقطر مرحاً وسعادة , صوته الطفولي العذب وطريقة كلامه المندفعة , تفاصيل تعلقت بها نفسه فور رؤيتها وتركت في روحه انطباعاً لا يوصف , وأخذته معها كالمسحور إلى عالم غريب من البهجة والتلقائية والنقاء , حتى استفاق من حلمه الجميل عندما تذكر أنه لن يستطيع دخول ذلك العالم أبداً مهما حاول , وأنه لا سبيل أمامه لتغيير قدره المحتوم , شعر أنه من الأفضل ألا يعلق قلبه بما لن يكون له أبداً , فخفض بصره وأشاح بوجهه عن الطفل بمرارة , وواصل سيره .
لم تمر سرى ثواني معدودة , حتى غلبته رغبته في إعادة النظر للطفل مرة أخرى وكأن ذلك العالم الغريب يناديه , فرآه هذة المرة مستغرقاً في الكلام مع والده وهو يحرك رأسه لأعلى ولأسفل بصورة منتظمة وبشكل مضحك , راوده شعور بالفضول لمعرفة ما يقوله فزاد من سرعة خطواته حتى أصبح خلفه مباشرة , وكادت أن تنطلق منه ضحكة عالية حين سمع تلك الأغنية الطفولية التي يرددها بحماس ويحفظها بدقة متناهية , ويصر على أن يغنيها بالكامل لوالده الذى بدا عليه التذمر , حتى انتهى منها فلم يتمالك نفسه من التصفيق له بحرارة , ثم توقف عن التصفيق بسرعة لكيلا يلحظ والده شيئاً أو يرتاب في الأمر , لم ينتبه الأب لحسن الحظ ولكن تنبه الطفل إلى أن هناك من صفق لغنائه , فتوقف للحظة وابتسم في وجهه ابتسامة بدت وكأنها تشع نوراً وصفاء , ثم انطلق مسرعاً لكي يلحق بوالده الذي سبقه بخطوات عدة .
بكل ما يعتمر بقلبه من شوق للأطفال وحرمان منهم , تابع السير خلف الطفل ووالده غير مبالي بكونهما يسيرا بطريق مخالف لطريقه , حتى لمح الوالد يعبر الشارع برفقة طفله متجهاً للمسجد لآداء صلاة العشاء , فسار خلفهما ببطء حتى دخلا وظل هو واقفاً أمام المسجد , كان متردداً في الدخول إلى حد ما لكونه لم يصل صلاة الجماعة منذ فترة بعيدة , وكأن ذلك الجفاء قد أوجد حاجزاً نفسياً بينه وبيت بيوت الله , قرر في النهاية ألا يدخل فنظر نحو الطفل نظرة أخيرة وهمَ بالابتعاد لولا أن حدث أمراً غير مألوف , رأى ذلك الطفل يشير إليه بيديه ويدعوه لدخول المسجد وبعينيه نظرة مشجعة , تصلبت عيناه على وجه الطفل للحظات غير مصدقة لذلك السلوك الغير مبرر , ثم أخذ يتفحص في وجوه الوافدين للمسجد بخجل خوفاً من أن يكون أحدهم قد لمح ذلك التصرف , الغريب أنه شعر بأن حاجز التردد قد زال من قلبه تماماً بعد ذلك المشهد , بل على العكس فقد راودته رغبة حقيقية في الدخول تلبية لدعوة الطفل التي لا يمكن رفضها , فخلع حذائه ودلف إلى المسجد وقد بدأ يتولد بداخله شعور بالندم على تقصيره فيما مضى .
كان الإمام قد أقام الصلاة حينما انتهى من وضوئه , فأسرع يلتحق بصف المصلين ويعدل من هندامه سريعاً ثم يكبر , الضيق النفسي مازال يسكن قلبه ولكن يمنعه التعب والإنهاك الجسدي من الاستمرار في التفكير , تضعف مقاومته تدريجياً فيستسلم لصوت القارىء العذب الممتزج بآيات قرآنية بليغة المعنى , يفتح الباب لذلك المزيج لكي ينساب في روحه بسلاسة كنور الفجر , جبال الهموم التي ظن أنها لن تزول أبداً تهوى بهدوء أمام عظمة النور المقدس , تلوح على شفتيه ابتسامة ارتياح ظن أنها لن تأتي مطلقاً , ويراوده شعور بالاستمتاع بكل حرف يُتلى وبرغبة مستمرة في سماع المزيد , حتى جاء موضع سجدة فسجد الإمام وسجد الجميع خلفه بخشوع .
الصق جبهته بالأرض ودعا , مستحضراً كافة الآيات التي سمعها عن قدرة الله وكرمه ,عن إجابته لدعوة المضطر ورحمته بعباده وحبه لدعائهم , ألح في الدعاء وأفرغ فيه كل ما بداخله من رغبة غريزية في الإنجاب فانسابت دموع التأثر والانفعال من عينيه , وأخذ يسأل نفسه كيف تناسى طريق الله الممهد ولم يتحسسه أبداً؟ , ولماذا انشغل بآمال زائفة ونسي أن مدبر الأمر هو أقرب إليه من حبل الوريد؟ , قام الإمام من السجود فنهض المصلون وبقي هو ساجداً لفترة , ثم قام ليلحق بحركة الجماعة ويستكمل صلاته للنهاية .
برغم أن وضعه لم يتغير إلا أن شعوره قد صار مختلفاً تماماً , تبدَل ما كان بقلبه من أرق وقلق إلى إحساس عارم بالسكينة , وبالأمل في تحقيق أحلامه مهما كانت مستحيلة , وباليقين بأن ما عند الله هو الأفضل وبالرضا بقدره , حمد الله على تلك الرحمة التي خدر بها آلامه وغمر بها روحه , وراوده شعور بالامتنان لذلك الملاك الذي بعثه الله إليه في صورة طفل ليعيده مرة أخرى للمسار الصحيح .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الطريق....بقلم الكاتب عادل سلامة.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مجلة نجوم الأدب و الشعر :: إرشيف آسمهان الفالح-
انتقل الى: