حين أدمعت عيناه دما بتلك الذكرى التي مرت به، كان مسهبا فيها يجتر الألم ولوعة الفراق، سرح بفكره وشريط الذكريات هبط علية، كيف كان يناغيها ويدللها وهي ترتمي بين أحضانه ويقبّلها حينا ويشم عبق جسدها حينا آخر، كل رسائلها محفوظة في خزانته، بدأ يستل الواحدة إثر الأخرى، حين تركها ذاهبا للدراسة في ديار الغربة المجحفة، يقرأ كل حرف فيها ومقلتيه تنزف دما بدل الدمع. متى تنتهي سنوات دراستك؟ الحزن غلّف قلبي ولا أكاد على الحركة، لِمَ كل هذا الفراق؟ نظرات الشباب ومحاولاتهم بالزواج بي ألا تحس بي من وجع، سنواتك الأربع أنقضت ولا تبالِ بي أرحمني وارحم عذابي، ها هي السنة الخامسة والسادسة والسابعة لقد بدأ الشيب يغزو مفرقي والعرسان يكاد يغادروني، انتظرتك طويلا سوف أسدل ستار حياتي للأبد فلا انتظارك بعد الآن يهمني ولا دموعك الكاذبة تسعفك حينا من الزمن اني مغادرتك فلا تفكر بي أبدا.
كانت هذه رسالتها الأخيرة له وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة كاتبا لها:
_ بنيتي شاء القدر أن يأخذني منك رغما بما عانيته من مرض فلا تخسري حياتك.