( انفراجة)
تتداخل الصّور، تتراقص الوجوه، يقفز أبي من مقبرة الذكريات بقامته الممشوقة و سطوته المعهودة ينهال على أمي ضرباً فقد تأخّرت في تقديم طعام الغداء له، و تهرب المسكينة من كفّه الثّقيلة، تحتمي بزاوية الغرفة ، لا يردعه شيء عن تصفية حسابه معها، لتطرق أذني شتائم زوجي تنساب أغنية محفوظة لا يترك فرداً من عائلتي إلا ليناله النّصيب الوافر بعد أن عجزْت عن تأمين لحم للشواء من عملي البسيط في بيع ما يصل إلى يدي من أكياس المعونة الغذائية، إلى أين أهرب، و صراخ الصغار المستغيث بلا منقذ؟ يلاحقني.... أغادر الغرفة المستأجرة، لن أطرق باب الجيران، صعدت سلم الموت علّه يرأف بمحاولتي فيدعني أعود إلى صغاري لكن غيظه، ظلمه، كلمته المكسورة على أعتاب الجوع اجتمعوا ضدي، و أصرّ على اللحوق بي، شعرت بالرعب أزيز الرصاص، و أصوات القذائف تملأ الفضاء، و حين رفع يده وقع على الأرض متدحرجاً يمسح الأرض المغبرة بسواد قلوب القتلة، شهقت من الرّعب، تلفتّ حولي: لا بدّ أنّ القنّاص في المرصد القريب امرأة تسعى للثأر لجدتي التي لم تكن تفوز من فم الجدّ بكلمة طيبة رغم أنها تجهد نفسها في تقديم طلباته و هو في سرير عجزه، لأمي التي رحلت ومعها حلم أن تعيش بكرامة في بيتها من غير أن تُطرد منه متى شاءت ذكورته، لأخواتي النسوة تلهب أرواحهن الحرب الغشوم بتشرّد الأهل، برحيل الأبناء، بتركهن حصى على قارعة طريق معتم. أيقنت أنّ القنّاص امرأة تريد تحرير الوطن من بقايا ذكور الحرب البلهاء عندما أُطلقت الرّصاصة قربي و أنا أحاول سحب جثة من كان قبل لحظات بؤرة رعبي.