نقوش على وجه المحيط(1)... بقلم الكاتب الفلسطيني د\ شاكر محمد المدهون- مجلة نجوم الأدب والشعر

في غرفة من غرف بيتنا الذي كان يضم أربع غرف يسكنها عشرة أشخاص والتي كان يعيش فيها جدي الذي توفي قبل أن أتي الى الدنيا بقرابة عشر سنوات--وهأناقد تجاوز سني التسع عشرة سنة-لم يدخل هذه الغرفة أحد بعد وفاة جدي-فقد اوصد والدي هذه الغرفة بترباس-ومنع اي شخص من الأقتراب منها-كنا نظن أن بها ممتلكات أبي الثمينة-أو أن لها قدسية تحرم الأقتراب منها-وعندما نسأل عن هذه الغرفة تكون أجابة أبي المختصرة والمنفرة:هذه أرث أبي-أصبح من بديهيات من يسكن هذا البيت أو يدخله أن لا يسأل أو يقترب من هذا الأرث-
وذات يوم وفي غياب أبي في سفر له قررت أن أدخل ألى هذه القدسية وأتعرف على أرث جدي-فتحت ترابيس هذه الغرفة الذي خنقني ترابها المتصاعد ورائحة القدم التي تسكنها التراب يغطي أرضية الغرفة وفي زواياها سكنت عناكب والغرفة لا يدخلها ضوء الا بصيص يدخل على أستحياء من أحد الشقوق بها عند الظهيرة
أول مالفت نظري هو هذا الصندوقالجاثم في زاوية مظلمة صندوق حديدي ذو نقوش طمست معالمه أكوام من الترابوتراكمات من أشياء أخرى لم أستطيع ان أتبين ماهيتها كان وحيدا وبجواره كانت سجادة صلاة وقبعة ألغت معالمها التراب أستقبلتني بعض العناكب و خيوطها-نفضت بعض التراب عن غطاء الصندوق لأتحسس نقوشه-
شجعني انبعاث صوت به وقار لم ادري من أين مصدره : أفتح الصندوق يا ولدي لقد أنتظرت قدومك من زمن طويل-فتحت الصندوق وكان به بعض الملابس المهترئة وبينها كانت تختبء هناك أوراق صفراء يجمع خيوطهاشيء لا اعرف ما هو-وكانت عليها كتابات باهتة-عصرت حدقتيلأتبين المكتوب عليها-أنها رسالة من جدييقول:
ولدي العزيز-
لا قدسية لكلمة ألا لكتاب الله وسنة خاتم النبيين-ماعدا ذلك فله ماله وعليه ما عليهفأعمل عقلك في كل ما تسمعه أو تقراءه و تبين ما تقول أو تكتب-أن ما تسمونه التاريخ هو مذكرات وخواطر أناس مروا في هذه الدنيا أحسنوا وأساءوا-نجحوا وفشلوا-أحبوا وكرهوا --حلموا وحققوا-فمن أحبوه كانوا معه وأصبح ما يقول هو الصحيح ولا صحيح غيره وما يفعل هو الصواب ولا صواب مثله-أن أصاب غنوا له القصائد والأشعارتخليدا لعمله وجعلوه عمل لم يسبقه مثله وان أخطأ أو زل أتوا بمبررات وفسروا خطاءه صواب وجعلوا من أمانبهم واقع حتى ولو وهم-وستجد آخرينممن كرهوا هذا الشخص أو تلك الفئة من أذا أحسن خطئوه وان فشل جعلوا من كلماتهم مقاصل تحاكمه وتقيم الحد عليه-عليك يا ولدي أن تقرأ التاريخ فتحاكم وقائعه قبل أن تقبلها أو ترفضها--أما الحق فالحق واحد ولكننا نجزئه كل يرى الحق من زاويته و من منطلق الحب أو الكراهية يصبح الحق أجزاء وتصبح الأجزاء حقوق كاملة -ان الكلمة تصبح صوابا ان وجد من يؤيدها ويعمل على تحقيقها وان ضعفت هذه الكلمة وضعف حاملها انقلبت ألى باطل وان كان الحق فيها-
يابني لا تجعل التراث مقدسافالتراث به اهواءبه من جعل الحق باطلا والباطل حق-حكم عقلك وضميرك فكر فيما تسمع أو تقرأ وتأمل جيدا ما تنوي ان تكتب او تقولقبل ان تفعل فهناك من يجعل الحق باطلا والباطل حق ألى هنا وتلاشت بقية الصفحات وسمعت نفس الصوت الوقور يقول استودعك الله-نظرت فأذا الغبار يدور من حولي واذ بنور الشمس المتسلل بصيصا قد توارى عن غرفة جدي
----------------------------------