مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجلة نجوم الأدب و الشعر

أدبي ثقافي فني إخباري
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 السِّلكُ المَقطـوعٌ... بقلم الكاتب العراقي مجيد الزبيدي ـ مجلة نجوم الأدب والشعر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سوزان عبدالقادر




عدد المساهمات : 11030
تاريخ التسجيل : 12/09/2015

السِّلكُ المَقطـوعٌ... بقلم  الكاتب العراقي مجيد الزبيدي ـ مجلة نجوم الأدب والشعر Empty
مُساهمةموضوع: السِّلكُ المَقطـوعٌ... بقلم الكاتب العراقي مجيد الزبيدي ـ مجلة نجوم الأدب والشعر   السِّلكُ المَقطـوعٌ... بقلم  الكاتب العراقي مجيد الزبيدي ـ مجلة نجوم الأدب والشعر I_icon_minitimeالثلاثاء أكتوبر 13, 2015 5:32 am

لا لن أدعَكَ تذهب . الوقت متأخر والمنطقة خطرة جدا وهي تعجُّ بالعصاة .
رفض الرفيق آمر القاعدة السماحَ لي بتسلّقِ المرتفعِ العالي الذي تقع في أعلاه (حضيرة صلاح الدين ) للعثور على مكان السلك المقطوع وربطه من جديد ليتسنى لي مواصلة الإتصال بهم وببقية الحضائر الخمس الأخرى بالشفرة ليلا كل نصف ساعة وإيصال الموقف لمقر القاطع في منطقة (بازيان ) الذي يبعدعنا بمسافة ستة عشر كيلومترا .
- لا...لا ... لااسمح لك بالذهاب لأنك ببساطة لن ترجع ستكون صيدا سهلا للعصاة .
- ولكن رفيقي العزيز كيف سأوصل موقف هذه الحضيرة لمقر القاطع وأنا لست متيقِّنا من أن الأمر لديهم على ما يرام؟ سأتوكل على الله وأذهب ،الأقدار بيد الله...
- إذا كنت مصرّا على الذهاب فخذ معك أحدَ المقاتلين ليرافقك ...
- لا.. لا.. دعني أتحمّل الأمرَ وحدي ،على الأقل ستكون الخسارة بي فقط....
كان المساء قد هبط في تلك المنطقة الجبلية .وقف جميع المقاتلين وكأن على رؤوسهم الطير وهم ينظرون إلى إنسان قد لا يرونه مرّةً أخرى. حملت بندقيتي وعلى صدري جعبة مخازن الذخيرة الأربعة وأنا أنظر إتجاه الحضيرة الواقعة في أعلى هذا المرتفع الذي أمامي . كانت دموع رفاقي وأصدقائي قد انبسجت من مآقيهم وهم يودّعونني وأدعيتهم لي المختلطة بالبكاء تدفعني بإصرار للذهاب والمجازفة .
أمسكتُ السلكَ وبدأتُ الحركة معه صاعدا الصخور والأجحار الكبيرة ، والمسالك الضيقة .كان السلك هو دليلي الوحيد لتتبع الإتجاه الصحيح لمكان الحضيرة لأن الرؤية تكاد تنعدم تماما في هذا المكان الموحش. كل ما كنت أرجوه في تلك اللحظات أن لا أكون فريسة لثعبان ضخم او للدغة حية سامة ، وما عدا ذلك لم يخطر ببالي شئ أخشاه.كنت بين فينة وأخرى أتحسس نظارتي الطبية هل ما زالت فوق عينيّ حينما أتعثّر وأسقط ولمرات عديدة .
لا أدري كم من الوقت قد مضى ، ولا مقدار المسافة التي بقيت لأصل حضيرة صلاح الدين. السلك ما زال بيدي لم أعثر على مكان قطعه حتى الآن . لم أدَعْه يفلت من يدي أبدا مهما تعثّرت او سقطت لأنني من دونه سأكون في التّيه لا أعرف الإتجاه الصحيح للصعود او للرجوع . لقد اختارني الرفيق آمر القاعدة لأكون مسؤولا عن البدالة السلكية عوضا عن المهام الأخرى للقاعدة من حراسة ومهام قتالية أخرى لسببين :الأول كوني أحد أصدقائه المقربين منذ الدراسة الثانوية ، والثانية لكوني أضع نظارات ثقيلة فوق عينيّ . كل شئ في البدالة كان على ما يرام بالنسبة لي، كانت مهمتي أجد فيها فسحة من الوقت لأقرأ ما يتيسر لي من الكتب والمجلات التي أحضرها معي عند عودتي من الإجازات الدورية ، لكن في بعض الأحايين يتسبب قطع السلك بإزعاجات وبعض المشاق لي في بحثي عن مكان القطع ، رغم أن القطع كان يحدث نهارا أمّا بسبب التفافه بساق إحدى البقرات الراعيات لوحدهن في هذا المكان أو أن يعمد البعض من سكنة المنطقة من المتعاطفين مع حركة العصيان بقطعه للإيذاء ليس إلاّ. لقد تم سوقي مع الكثيرين الى هذا المكان ضمن صفوف الجيش الشعبي ، ليتفرغ الجيش العراقي للحرب مع إيران ، لم يكن من الوارد أبدا الإمتناع او العصيان على عدم المشاركة فستجد أمامك قائمة طويلة من الإتهامات وأبسطها الجبن وبالتالي تُساق رغما عن أنفك الى ساحات التدريب في (النهروان ) ومن بعدها الى المكان المخصص لقاطعك في الشمال او في الجبهة أمام العدو . لقد كانت هذه المشاركة الثانية لي ، بعد مشاركتي الأولى في قاطع (مهران ) قبل ثلاث سنوات ، حيث أمضيت ثلاثة أشهر هنّ اقسى ما مرّ بي في حياتي. لم يكن لدي أي استعداد للحياة العسكرية أبدا، ولهذا لجأت للبدل النقدي في حينه للتخلص من الخدمة العسكرية ، أما الآن فلا مهرب ولا منجى من الإنخراط في صفوف الجيش الشعبي الظهير الحقيقي للقوات العسكرية الرسمية التي تقاتل منذ ست سنوات عدوا شرسا يرفض السلام او الهدنة ،كما كان يقولون لنا.
يا الله ... أخيرا...لاح لي نور بدأت أقترب منه شيئا فشيئا، بكل تأكيد هو منبعث من الحضيرة التي أقصدها ... يالله... لقد وصلت ....ولكن ما زال السلك بيدي ، لم اجد القطع لحد الآن ... ها أنا اسمع لغطهم ، بل هم ينادووني بالإسم .
- رفيق مجيد... نحن هنا...قد وصلت...
بكل تأكيد لقد إتصل بهم الرفيق آمر القاعدة باللاسلكي وأخبرهم بأنني قادم إليهم . ياللمفاجأة ، قبل عشرات الأمتار من الحضيرة انفلت السلك من يدي ، إذاً وجدت القطع أخيرا قريبا من الحضيرة . نزل نحوي إثنان من المقاتلين وبيد أحدهما مصباح يدوي ، سرعان ما وجدا معي السلك المقطوع وأوصلناه بالجزء الآخر . صعدت الى الحضيرة مع الرفيقين وحققت الإتصال مع البدالة في مقر القاعدة في الأسفل .بعد تناولي وجبة العشاء وتناولي كوبا من الشاي ، عزمت على النزول والرجوع الى مقر القاعدة . حاولوا منعي ، واقناعي بالمبيت عندهم والعودة في الصباح، لكنني أصررت على النزول رغم الظلام الدامس . ودّعتهم أمسكت بالسلك ورحت نازلا معه بكل يسر ،هو دليلي الوحيد للوصول إلى مقر قاعدتي التي لا أرى لها أثرا في هذا المكان الجبلي . كان النزول أسهل بكل تاكيد من الصعود ، سيما وأنا قد وجدت مكان السلك المقطوع وقمت بإصلاحه ، وها أنا عائد يملؤني الزهو والسرور.ابتعدت كثيرا عن الحضيرة وخمّنت مع نفسي أنني الآن في منتصف المسافة ... اللهم نجني من لدغة أفعى لا أراها في هذا المكان الموحش ودامس الظلام ،اللهم أعدني سالما لأجل أطفالي الستة وزوجي المسكينة ...بدأتْ الكثير من الأفكار تجتاح رأسي . ما كان ليحصل كل هذا لو لم أذهب في ذلك اليوم إلى مقر إتحاد الكتاب والمؤلفين لأساق منه مثل الحمل الوديع الى ساحة التدريب في النهروان .لقد أحاطت بنا مفرزة من الرفاق عند بابه وقت الخروج وطلبوا منا الذهاب معهم لأداء الواجب الوطني المقدس ، لم يمهلونا الاّ بالإتصال بعوائلنا لإخبارهم بالأمر. ها قد مضى على وجودنا هنا أكثر من ثمانية أشهر وما زلنا ننتظر بلهفة العودة بنا الى عوائلنا بعد انهائنا للواجب المناط بنا.لقد سمعنا أننا على وشك العودة ولكن لم يظهر للآن ما يدل على ذلك .
فجأة سمعت من يصرخ بي:
_ فف...إرم سلاحك...
في لحظة وجدت نفسي محاطا بفوهات البنادق وهي تلامس رأسي وجسدي... يالله لقد وقع المحذور إذاً.
- كاكا... هل لديك مسدس؟؟ إرمه حالاً...
نزعت البندقية من عاتقي ومخازن العتاد الأربعة وجلست على الأرضن لم أرَ أحدا ولكني أحسّ بهم حولي. أضاء في وجهي أحدهم مصباحا صغيرا، وراح يتأمل تقاسيم وجهي . فجأة قال لي بالعربية:
- كاكا مجيد .؟...
أدهشني أن يناديني باسمي شخص لا أعرفه ، ولا أراه في هذا المكان والظرف العصيب.
- كاكا... لقد ساقوكم إلى هنا من الإتحاد ،نعرف ذلك... كاكا لاتخف أنا صديقك محمود علي .عانقني بحرارة ، ثم ناولني سلاحي وجعبة الذخيرة ...
همس مع رفاقه بالكردية والتفت نحوي:
- يالله صديقي سأوصلك الى قرب مكانك ، سأضمن سلامتك بنفسي .
قادني من يدي وراح ينزل بي الى الأسفل.
- كاكا... أنا (محمود على) صديقك في المتوسطة والأعدادية وكنا نسكن في منطقة واحدة ونتبارى في كتابة الشعر والقصة.، هل تتذكرني؟؟ ...نعم تذكرته حالا ، طلبت منه أن أرى وجهه، لبى طلبي، أضاء المصباح الصغير قسمات وجهه الوديع.. تذكرت أنه قد غاب منذ سنوات وسمعت أنه التحق بالحركة الكردية... ياللمصادفة أن ألتقيه هنا بعد كل هذه السنوات في هذا الظرف القاسي ؟ يالغرابة الصدف.
صرنا قريبين جدا من مقر القاعدة ، تعانقنا حتى سالت دموعنا ، ودّعني واختفى بسرعة...
أطلقتُ من بندقيتي رصاصةً في الهواء شقّتْ سكون الليل وأنا أقترب من القاعدة إشعارا منّي بعودتي ...كان الكلُّ بانتظار البطل الذي لم يهبْ الخطر ، راحت القُبَل تتناوش خديّ بودٍّ صادقٍ ونظرات الإعجاب والإكبار تغمرني من كل جانب .
لقد عقدت الدهشة ألسن الجميع عندما ذكرت لهم ما وقع لي ومصادفة لقائي بصديق عزيز كان المنقذ لي من الأسر على الأقل .
بعد إنتهاء الحرب عام 2003 وحصول الهدوء في إقليم كردستان ، تذكرت صديقي (كاكا محمود علي) .قصدت مدينة السليمانية كنت في شوق عارم للسؤال عنه، كنت أتوقع أنه الآن يتبوّأُ منصبا رفيعا يؤهله لذلك نضاله المسلّح لسنوات طويلة والشهادة الجامعية التي يحملها. سؤالي أوصلني لعائلته التي وجدتها تسكن في حي بائس في إحدى ضواحي المدينة، عرفت منها أن (كاكا محمود ) قد قُتل عام 1991 وهو يتصدى للجيش الزاحف الذي كان يعتزم استرداد السليمانية من قبضة المخربين العصاة الذين استولوا عليها بعد انكسار الجيش العراقي خلال أحداث غزو الكويت.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السِّلكُ المَقطـوعٌ... بقلم الكاتب العراقي مجيد الزبيدي ـ مجلة نجوم الأدب والشعر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مجلة نجوم الأدب و الشعر :: ﻧﺎﺋﺐ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻭﻣﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻱ سوزان عبدالقادر-
انتقل الى: