مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجلة نجوم الأدب و الشعر

أدبي ثقافي فني إخباري
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الحافلة... بقلم الكاتب المغربي أديب عدي ـ مجلة نجوم الأدب والشعر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سوزان عبدالقادر




عدد المساهمات : 11030
تاريخ التسجيل : 12/09/2015

الحافلة... بقلم الكاتب المغربي أديب عدي ـ مجلة نجوم الأدب والشعر Empty
مُساهمةموضوع: الحافلة... بقلم الكاتب المغربي أديب عدي ـ مجلة نجوم الأدب والشعر   الحافلة... بقلم الكاتب المغربي أديب عدي ـ مجلة نجوم الأدب والشعر I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 16, 2015 4:55 am

بعد صلاة عصر يوم كل خميس من سبعينات القرن العشرين، اعتاد صابر القيام بجولته المسائية . لبس ثيابه الأنيقة و انتعل حذاءه اللامع ثم وضع على ثيابه عطره المفضل، سألته زوجته عن وجهته. انتظرت لتسمع جواباً، لكن لم تسمع إلا صوت الباب و هو يغلق. غمغمت غاضبةً، ثم عادت لإتمام مهامها المنزلية.
تابع صابر خطاه في تؤدة نحو وجهته، تارةً يلقي نظرة على ساعته اليدوية، وأحيانا أخرى يدندن بصوت خافت لحن أغنية شعبية بينما يدخن سيجارة من التبغ الأشقر المهرب. توقف عند جمهرة من الناس. اتخذ مكانه بينهم و ظهره إلى جدار مهترئ تظلله شجرة تين وارفة الأغصان. و قف جنبه حَمُّو مقدم القرية، سأله صابر عن موعد قدوم الحافلة، أجابه حَمُّو بوجهه الذي تنعدم على سحنته علامات ما يخفيه من مشاعر، قائلاً: إن الحافلة تجاوزت مدشر "الْقُوَارِ" و لم يبق على وصولها إلا ربع ساعة على الأكثر. شكره صابر، ثم حملق في اتجاه الجبل. و من حين لآخر يلتفت إلى ساعته و على وجهه علامات الضجر، كأنه ينتظر على أحر من الجمر و صول أحدٍ من أقربائه، و هو اللقيط و لم يبق له أحدٌ بعد موت أمه إلَّا زوجته، ثم يتلفظ بصوت مسموع: أف، كم تأخرت هذه الحافلة، يغير موقعه ليرصد مكان نزولها من الجبل. و عندما بدت معالمها للجميع، عاد إلى مكانه السابق. كما أن باقي عناصر الجمهور انتظمت: الأطفال انعزلوا في الجهة الجانبية الأمامية لوقوف الحافلة، بينما البالغون تمركزوا بعيداً في الجهة الأكثر استراتيجية لرصد تحركات ركاب الحافلة عند نزولهم منها. فيتعرف أهل القرية على الزوار القادمين إليها ما بين غريب و قريب. يهرع بعض الأفراد لاستقبال أقربائهم في عناق تكسره قهقهات الجمهور، عندما ينتقد بهلول القرية لباس قادم أو مقلداً مشيته أو طريقة تكلمه. يسود سكون الموت عندما يكون القادم فاتنة سافرة الرأس و نصف لابسة. ما أن تخطو في غنج حتى يقتفي أثرها مجموعة من المراهقين و حتى بعض الراشدون لا يجدون حرجا في ذلك، إذ يغلفون مغادرتهم بأعذار ملفقة: مرافقة الفتاة لحمايتها من تهور الشباب المراهق و ...
نزل آخر مسافر من الحافلة، و لازال صابر قابعاً في مكانه و لا تبدو عليه آثار التدمر و لا الضجر بل رسم على محياه ابتسامة عريضة كأنه مسافر قدم لتوه إلى القرية. و ما أن انفض الجمع توجه رأساً إلى "كَتْشَانْ" و هو لقب مساعد السائق، و بعد دردشة وجيزة سلمه هذا الأخير صندوقاً من الكارتون. شكره صابر و أعطاه قطعاً نقدية، يسمع رنينها من بعيد، مقابل خدماته، رجع صابر مسرع الخطى إلى منزله حاملاً الصندوق. فتح الباب فوجد زوجته في انتظاره، فناولها الصندوق. تفقدت محتوياته من علب السجائر المهربة و بعض قنينات الخمرة و العطر . فغمغمت كعادتها و بصوت مفهوم قائلة : الله يتوب عليك من هذه البلية، لكن لم تطرح عليه الأسئلة المعهودة كما طرحت عند خروجه. بل ابتسمت و بدأت تسأله عن كل ما حدث خلال انتظار الحافلة و عند قدومها، و طلبت منه الإجابة عليها بالتفصيل الممل.
لقد كانت الحافلة الوسيلة الوحيدة لفك العزلة عن ساكنة هذه القرية النائية، كما أصبحت مع مرور الوقت طريقةً لتزجية الوقت عند أهلها، و ديدناً للتزود بمستجدات الأخبار عن كل شيء و عن اللاشيء، عمّا يحدث خارج و داخل القرية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحافلة... بقلم الكاتب المغربي أديب عدي ـ مجلة نجوم الأدب والشعر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مجلة نجوم الأدب و الشعر :: ﻧﺎﺋﺐ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻭﻣﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻱ سوزان عبدالقادر-
انتقل الى: