هو الشّعر
دع اللّوم إنّه منتظر
فبدو ديارك أم حضر
و مهما غزرت فأنت رذاذ
و هم شئت أم لم تشأ مطر
أنا لا تسيئني أقوالهم
و ليس لها في الرّؤى أثر
و ما ضاق ممّا تردّد صدري
أسرّوا به أم به جهروا
أيا سامع القول للشّعر لحن
تحنّ له الرّوح و الفكر
أيا سامع القول للشّعر حسّ
مكانه قلب الذي يشعر
و ليس متاعا يباع بسعر
و لا لمآربنا يُحشر
دعوه طليقا و لا تسجنوه
دعوه كما النّور منتشر
إذا كان في جدبكم مزهر
و في الخصب أخفق لا يزهر
تداعت ضوابط كون الوجود
و داهم مبدأنا الخطر
إذا الشّعر أمسى خطى من سعى
و ظلّا تقيل به الحمُر
على أهله أن يشدّوا الرّحال
لمجهولهم ركبهم قدر
و أن يتركوا للدّخيل المكان
فما المرتجى و همُ اٌندثروا
من المؤسف أن تطول اللّيالي
و في حجم سمّارها قصر
و يعلو الضّجيج مجالسها
و لا يتغنّى بها وتر
فكم سكب الجفن من دمعة
و مزّق أنسجتي الضّجر
و كم ردّد الصّدر من آهة
فلم يُعتبَر أيّها البشر
و لو سمع النّوح تحت الثّرى
رقود المقابر ما صبروا
و لو لم يكن فوقهم ثقل
من الرّدم ألحادهم حجر
لهبّوا حفاة عراة الرّؤوس
و من غيبهم ها هنا حضروا
ترى ما الجميل و بالشّعر جرح
عميق تعفّن فاٌعتبروا
ترى ما الجميل و توّجوا لغوا
على عرش شعر به غدروا
هناك على قمّة الأمل
رجاء تربّع منكسر
و بين يديه رفات القوافي
و أمّا عن الرّوح لا خبر
فهل من طيور بدون جناح
تطير و يحلو لها السّفر
و هل من رياض نمجّدها
و لا زهر جمّلها عطر
إذا الشّعر أضحت عناصره
بلا ومضات بها صور
و لا رقصت روح عاشقة
إذا أنشدوه لَيفتقر
إلى رقّة للمشاعر فيها
علاج لمن للهوى سمروا
فما الشّعر إلّا حديث الجفون
جفون يكحّلها الحور
و همس النّسيم بأذْن المساء
يزفّ لها ما حكى الشّجر
و عدو السّواقي لغاياتها
و ما غازل النّجم و القمر
و فيه إلى الكائنات رسول
و منه اٌجتبى سحره السّحر
جميل كثغر الصّباح الوسيم
كطلع النّخيل فمن ينكر
بأنّ الخميلة للشّعر ثوب
و أنّ البهاء له منبر
و أنّ البحار و ما حملت
ينابيع بالشّعر تنفجر
و لمّا تراها و قد هدأت
و لمّا تثور و تعتكر
من الشّعر هي و ما كان منها
و من في متاهاتها أبحروا
من الشّعر ما أنشدوه صباحا
و عند الأصيل إذا اٌختمروا
و للشّعر في خطوات الغروب
حضور كما في اللّظى شرر
و في ظلمات اللّيالي وقار
به الشّعر يا صاح يأتزر
و شدو العصافير بين الغصون
و في سعيها تلتقي زمر
كأنّ لها حكمة العقلاء
تراها يرافقها الحذر
هو الشّعر ما قد أتى ذكره
و أشياء ما ذُكرت أُخر
هو الكائنات ببهجتها
و ما هو ممتنع وعِر.