مُقاربة
وضعَتِ الطّفلَ بجواره، تبسّم لصوته من غير أن يرفع عينيه عن الشّاشة، وأصابعُهُ تعزفُ لحنَ التّرحال من قناةٍ إخباريّة إلى أخرى على مفاتيح جهاز التّحكّم.
- رجاءً أطعمْه، الصّحن هنا.
- أومأ لها بالإيجاب، و أذناهُ تلاحقان محللاً سياسيّاً من هؤلاء، و نقيضُهُ من أولاء. ارتدّت إلى مطبخها مسرعةً تتابع أعمالها، تاركةً وديعتها بين يدي مَنْ يزعم حبّ الوطن و الاهتمام بشؤون الأفراد، ليتنبّه متأخّراً إلى صوت الصّغير المتأفّف. أذهلته الخريطة التي رسمها بالطعام على وجهه، و لم يفهم ما كتبته الأنامل اللّطيفة على ملابسه، وعلى الأرض. وحين صرخت زوجته متألّمةً من مشهد الفوضى، من استهتاره بواجبه نحوها، نحو طفلهما، انفجر ضاحكاً، وهو يربط بإصبعيه بين شاشة التّلفاز و ابنهما: لا تنزعجي. كلاهما يتنبأان لنا بصورة الغد رغم قسوة الحرب. وتابع متصنّعاً الاهتمام: إلا أنّ براءة ابنك تشفع له، و بياض اللبن يسرّ النّاظرين، على حين هؤلاء - تنهّد بحسرة- يستخدمون الخطوط القاتمة، والنوايا السّوداء، و الكلمات العجفاء.
- انفجرت في وجهه وهي ترتجف من البرد و الإعياء: ابنك يدرك قبل مَنْ صدّعوا بثرثرتهم رؤوسنا أنّ متابعيهم حمقى، و أبداً لا يفهمون لعبة الخيوط المتشابكة، ويتجاهلون اليد التي تعقدها، و لن يتعلموا الّدّرس.