دراسة نقدية لقصيدة " سقط اليمام " للشاعر سمير قاعود بقلم الفنانة التشكيلية والناقدة التونسية أ / خيرة مباركي ..........................................................................................................................قصيدة سقط اليمام ..للأستاذ الشاعر سمير قاعود ..قصيدة في الشعر الحر تجعل من الرمز مرتعا للإبداع ..يتوه من خلاله الشاعر ويتوهنا في شعابه ليجعلنا نقرأ ونعيد القراة فنواجه نفس القلق الذي واجهه شاعرنا لحظة مخاضه لولادة النص ..فيزجنا قسرا في عالمه نحلق معه في آنائه ونطوف آماده النائية ..هي قصيدة في رثاء الضمير والوطن يعانق فيها الموت ويُغتال الحلم .. إنها صورة الاحتضار والضمير المصلوب على جلجثة البصيرة ..يبكي فيها شاعرنا أساطير البطولة التي انتحرت على جبهات وطن ذبح فيه الياسمين فبات على السكين يرقص ..بالسيف المخضب بالشقاء والعفن ...لم يعد سيف حق بل هو سيف انقلب حده وتقيأ الموت على أنامله ..وهنا ظهر قيمة الرمز في تشكيل الصور التي عبرت عن هذا المعنى ..وإنما هو في الحقيقة عناق بين الرمز الطبيعي والرمز الواقعي ..وهذا ما يجعل القصيدة تترنح بين الرخاوة الرومانسية والتعبير الثوري ..وتتهادى بين لغة الواقع وشفافية الرؤيا الغنائية ..بهذا يعرض لنا الشاعر ملحمة الواقع في هذا الخطاب المشحون بالشجن والرفض ..بعذابات الوطن ..بالجرح النازف من نخيله ..النخيل الباسق الشامخ في الأعالي يتحول إلى كيان ينزف ولكنه لا يطأطئ رأسه ..والنخيل هنا رمز الهوية والتجذر التي تعصف بها النوائب بهذا تتشكل الصورة الشعرية على أساس التناظر المحوري بين الشموخ والنزيف ..بين الحياة والموت ..بين الجمال (الفرسان اليمام ..) والقبح (اللغم ..القهر ..تقيأ ..) لعلها صورة ضمير يحتضر ولكنه يقاوم ..يخشى الغرق ولم يعلن إفلاسه ..صورة يقايض فيها الفرسان بالجرذان .. فيها إعلان صريح بإفلاس الضمير والقيم ..هذا الضمير الذي مثل الجبهة الأخيرة في الصراع فيفضح زمنا مومسا عاقرا ينتفي منه الحب وتضيع الطفولة وكأننا بالشاعر ينعي الزمن المبعثر على الفيافي ندركها من خلال صورة الطفل وطائرة الورق.. فلئن كان الطفل رمزا للطبيعة الانسانية بمفهومها الفلسفي والثقافي ..الطبيعة الخيّرة فإنها بارتباطها بطائرة الورق تتحول إلى أحلام زائفة مبعثرة تتقاذفها المحن ..إنه زمن الشدائد التاريخية التي تغتال الحياة والحب والجمال والخير وتبيح الشر والموت ..بهذا يطلع علينا صاحب هذه الرؤيا ليعلن أن الحياة بكل جمالها وبهائها أصبحت وراءنا ماض مهزوم يجر أذيال الخيبة لتدفن القيم في سراديب آسنة يعانقها الضوء ..ولكنه خافت يرنو لليمام ..دمت مبدعا أيها الشاعر..
الشاعر سمير قاعود
الشاعر سمير قاعود شكرا د / خيرة مباركي على هذه القراءة التي أضاءت قصيدتي بعطر الفلسفة .. ومنطق المحبة .. شكرا لتأويلكم الراقي والذي أصاب في مجمله رؤيتنا لواقع عربي وإنساني على حافة الانهيار .. واقع مشحون بالمتناقضات .. تلك الرؤية التي شرفت بتحليليكم وتناولكم إياها .. فلقد شعرت بهمس الفرشاة ودفء الألوان وبهجة الإضاءة وحسابات الكتلة والزمن والخطوط رأيت في تأويلكم لوحة جميلة من بساتين الإبداع لديكم ..لقد أضفتم لها من جمال التأويل بعدا جماليا تعجز كلماتي المتواضعة أن تشكركم عليه .. .. بساتين المحبة والتقدير لشخصكم الراقي وإبداعكم المبهر .. تحياتي
..................
سقط اليمام .
.................
سقط اليمامُ
ولم يحرك ساكناً
هذا الذي في جرحهِ
طفلٌ وطائرةُ الورق
نزَفَ النخيل بروحه
نزَف النخيل ولم
يطأطئ رأسه
لكنهُ
يخشى السباحة والغرق
يعلو صهيل الشمس ِ
جبهته الأخيرة
ويقايض الفرسان
بالجرذان مزهواً
ويضيء بالأحزان
عتمته البصيرة
من ذا يبيع النبضَ
للقبر المرصعْ ؟
لو كان ذبح الياسمين فجيعةً
قسماً فصمت العاشقين
بلادهم أبشع
قد أشعل الصمت اليمامَ
على الطرق
س
ق
ط
اليمامُ
ولم يحرك ساكناً
هذا الذي في جرحهِ
طفلٌ وطائرةُ الورق
ضحك افتراءً للزمنْ
وبكت أساطير البطولة مجدها
وتقيأ الموت الذي
سرقت أنامل سيفهِ
وهج السنابل والشجن
يا شهوة الصمت اهدئي
فلربما
كرِهَ الرخام أظافره
أو أنّ أصحاب العروش
سيصلحون الحنجرة
أو ربما
لن يترك
الحلم المقدس يحترق
هذا الذي في جرحه
طفلٌ وطائرةُ الورق
جرحت خرائط الانهيار الأسئلة
صرخ النبيذ الآن
من فرط الألم
دهست سنابك الانتقام فراشتي
وسرت بأوردتي تعاويذ اللغم
أنا لن أصدق حكمتي إلا إذا
قصفت مرايا القهر
شريان القلق
أو أن يحرك ساكناً
هذا الذي في جرحه
طفلٌ وطائرةُ الورق