ﻣﻴﻼﺩ ﻓﺎﻃﻤﺔ... بقلم الكاتبة هالة السروجي - مجلة نجوم الأدب والشعر

ﺗﺴﻜﻦُ ﻓﺎﻃﻤﺔُ ﻓﻲ ﺑﻴﺖٍ ﺟﻤﻴﻞٍ ، ﺣﻮﻟﻪ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ، ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻏﺼﺎﻥ ﺃﺷﺠﺎﺭﻫﺎ
ﺍﻟﻤﺜﻤﺮﺓ، ﻭﺿﻌﺖ ﺍﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ ﺃﻋﺸﺎﺷﻬﺎ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ .
ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﺣﺘﻬﺎ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭﻫﻲ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ ﻳﻄﻴﺮﻭﻥ ﺑﺤﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﻏﺼﻦ ﺇﻟﻰ ﺁﺧﺮ
ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺍﻗﺒﻬﻢ ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ , ﺗﺬﻛﺮﺕ ﺃﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﺭﺗﺪﺍﺀ ﺛﻮﺑﻬﺎ ﺍﻷﺑﻴﺾ
ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻮﺍﻟﺪﻫﺎ ﺳﻴﻘﺪﻡ ﻟﻬﺎ ﻫﺪﻳﺔ ﻋﻴﺪ ﻣﻴﻼﺩﻫﺎ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ.
ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﺳﻴﺼﻄﺤﺒﻨﻲ ﻭﺍﻟﺪﻱ ﻳﺎ ﺗﺮﻯ ؟ ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﺇﻧﻬﺎ ﻣﻔﺎﺟﺄﺓ ، ﻳﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻢ ﺃﺣﺐ ﺃﻥ
ﺃﻋﺮﻑ ؟! ﻭﻗﻄﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻔﻜﻴﺮﻫﺎ ﺻﻮﺕ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻳﻨﺎﺩﻱ : ﻓﺎﻃﻤﺔ ... ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻫﻞ ﺃﻧﺖِ
ﺟﺎﻫﺰﺓ .
ﺃﺳﺮﻋﺖ ﺑﺎﻟﻨﺰﻭﻝ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ، ﺃﻣﺴﻜﺖ ﻳﺪ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻭﻗﺒﻠﺘﻬﺎ .
ﻣﺴﺢ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺱ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻗﺒﻠﻬﺎ ﻭ ﻗﺎﻝ : ﻳﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺃﻧﺖِ ﺃﺟﻤﻞ ﻃﻔﻠﺔٍ
ﺭﺃﻳﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻲ .
ﺭﻛﺒﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﻊ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﺭﺗﻪ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ، ﻭﺃﺛﻨﺎﺀ ﺭﺣﻠﺘﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻈﺮ ﻣﻦ
ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ﺍﻟﻮﺍﺳﻌﺔ ﺍﻟﻨﻈﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ .
ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺗﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً ﻭﻓﺎﻃﻤﺔ ﺗﻐﻨﻲ ﻭﺗﻀﺤﻚ ، ﻟﻢ ﺗﺸﻌﺮ
ﺑﻄﻮﻝ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻭﻟﻢ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻤﻠﻞ ﻓﻬﻲ ﻣﻊ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺤﺒﻪ ﻛﺜﻴﺮﺍً .
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻼ ﺇﻟﻰ ﻣﺸﺎﺭﻑ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻮﺍﻟﺪﻫﺎ : ﺃﻟﻦ ﺗﻘﻮﻝ ﻟﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ
ﺗﺄﺧﺬﻧﻲ ؟
ﺃﺭﺟﻮﻙ ... ﺃﺭﺟﻮﻙ ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ؟
ﻧﻈﺮ ﺍﻷﺏ ﺇﻟﻰ ﻟﻮﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻔﺎﻃﻤﺔ : ﺃﻧﺖِ ﺗﻌﺮﻓﻴﻦ ﻛﻴﻒ ﺗﻬﺠﻴﻦ
ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺃﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ ؟
ﻗﺎﻟﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ : ﺃﺟﻞ ﺃﻋﺮﻑ ﻗﻠﻴﻼً ؟! ﺃﺟﺎﺏ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﺇﺫﻥ ﺣﺎﻭﻟﻲ ﺃﻥ ﺗﻬﺠﻲ ﻣﺎ ﻛﺘﺐ
ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻮﺣﺔ .
ﺑﺪﺃﺕ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺗﻬﺠﻲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺃﻟﻒ ﻳﻌﻨﻲ ﺃ ... ﻻﻡ ... ﻝ ... ﺍﻝ ... ﺃﻕ ... ﺃﺩ ...
ﺍﻝ ... ﻗﺪ ... ﺃﺱ ... ﺍﻝ ﻗﺪﺱ ... ﺍﻟﻘﺪﺱ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻘﺪﺱ .
ﺍﻷﺏ : ﺷﺎﻃﺮﺓ ﻳﺎ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻫﺬﻩ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻘﺪﺱ .
ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﻣﺎﺫﺍ ﺳﻨﻌﻤﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﻳﺎ ﺃﺑﻲ؟
ﺍﻷﺏ : ﺳﺄﺁﺧﺬﻙ ﻟﺰﻳﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻷﻗﺼﻰ، ﺛﻢ ﻧﺘﺠﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ،ﻭﻧﺸﺘﺮﻱ ﻛﻞ ﻣﺎ
ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ .
ﻧﻈﺮﺕ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻔﺮﺡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﺃﻳﺔ ﺣﻮﺍﺟﺰ ﻭﺍﻟﺮﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ
ﺗﺮﻓﺮﻑ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﻭﻋﻠﻰ ﻃﻮﻝ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ... ﻧﻌﻢ ﻓﻔﺎﻃﻤﺔ ﺗﻌﺮﻑ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ
ﺟﻴﺪﺍً، ﻷﻧﻬﺎ ﻛﻞ ﺻﺒﺎﺡ ﺗﻘﻒ ﻟﺘﺤﻴﺘﻪِ ﻣﻊ ﺭﻓﻴﻘﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ .
ﺃﻭﻗﻒ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﺒﻨﻰ ﻋﻈﻴﻢ ﺫﺍ ﻗﺒﺎﺏ ﺭﺍﺋﻌﺔ ، ﻭﻧﺰﻟﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﺃﺑﻴﻬﺎ
ﻭﺗﻮﺟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ .
ﺗﺠﻮﻟﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻓﻲ ﺃﻧﺤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻗﺒﻠﺖ ﺃﺭﺿﻪ ﻭﺃﻋﻤﺪﺗﻪ ﻭﺟﺪﺭﺍﻧﻪ، ﺛﻢ ﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ
ﺟﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ .
ﻫﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺒﻜﻲ ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﻠﻢ ﺳﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺰﻝ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ، ﻧﻈﺮ
ﺍﻷﺏ ﺇﻟﻰ ﻃﻔﻠﺘﻪ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،ﺿﻤﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺻﺪﺭﻩ، ﻗﺒﻠﻬﺎ ﺑﺤﻨﺎﻥ، ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ .
ﺗﺠﻮﻟﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻣﻊ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ، ﺭﺃﺕ ﺭﺟﻼً ﻳُﺨﺮِﺝُ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﻥِ ﺭﻏﻴﻔﺎً ﺫﻫﺒﻴﺎً
ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﻘﻤﺮ ،ﺗﻔﻮﺡ ﻣﻨﻪ ﺭﺍﺋﺤﺔً ﺯﻛﻴﺔ .
ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻭﺃﺧﺬﺕ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺭﻏﻴﻒ ﺍﻟﺨﺒﺰ .
ﺃﺭﻳﺪ ﺭﻏﻴﻒ ﺧﺒﺰ ﻳﺎ ﺃﺑﻲ .
ﺍﻷﺏ : ﺃﻻ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ﺷﻴﺌﺎً ﺁﺧﺮ؟.!
ﻓﺎﻃﻤﺔ : ﻻ ﻓﻘﻂ ﺭﻏﻴﻔﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻳﺎ ﺃﺑﻲ .
ﺍﺷﺘﺮﻯ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﺭﻏﻴﻒ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻭﺃﻋﻄﺎﻩ ﻻﺑﻨﺘﻪ، ﺃﻣﺴﻜﺘﻪ ﺑﻴﺪﻫﺎ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ،ﻭﺃﻏﻤﻀﺖ
ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻟﺘﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻄﻌﻤﻪ ﺍﻟﺸﻬﻲ ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻬﻢُ ﺑﻘﻀﻢ ﻗﻄﻌﺔٍ ﻣﻨﻪ ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺻﻮﺍﺗﺎً ﻗﻮﻳﺔ ً
ﻭﺻﺮﺍﺧﺎً ﻭﺑﻜﺎﺀً ﺣﺎﻭﻟﺖ ﻓﺘﺢ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ٍ ﺭﺃﺕ ﻭﺟﻪ ﺃﻣﻬﺎ ﻭﻗﺪ ﻏَﺴًّﻠﺘﻪُ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ
ﻭﺻﻨﺪﻭﻕٌ ﺧﺸﺒﻲٌ ﺻﻐﻴﺮٌ ﺇﻟﻰ ﺟﻮﺍﺭ ﺧﻴﻤﺔٍ ﻣﻤﺰﻗﺔٍ ... ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺕ ﺃﻣﻬﺎ ﻳﻨﺎﺩﻳﻬﺎ
ﻓﺎﻃﻤﺔ ... ﻓﺎﻃﻤﺔ ﻻ ﺗﺮﺣﻠﻲ ، ﺍﺑﻨﺘﻲ ... ﺣﺒﻴﺒﺘﻲ ﻻ ﺗﺮﺣﻠﻲ ...
ﻧﻈﺮﺕ ﺑﻄﺮﻑ ﻋﻴﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺛﻮﺑﻬﺎ ﺍﻷﺣﻤﺮ , ﺍﺑﺘﺴﻤﺖ ﻭﻫﻤﺴﺖ ﻷﻣﻬﺎ: ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﻳﺎ ﺃﻣﻲ
ﺃﺑﻲ ﻳﻨﺎﺩﻳﻨﻲ ، ﻭﺷﺪﺕ ﺑﻴﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﻏﻴﻒ ﺍﻟﺨﺒﺰ