ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﺜﺎﻧﻰ ﻣﻜﺮﺭ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﺑﻮﺭﺧﻴﺺ ... ﺗﻮﻧﺲ ﻋﻦ ﺧﺎﻃﺮﺗﻬﺎ ﻻﻳﺰﺍﻝ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﻳﻬﺰﻧﻰ ﺍﻟﻴﻚ- مجلة نجوم الأدب والشعر

ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﺍﻟﺤﻨﻴﻦ ﻳﻬﺰﻧﻲ ﺇﻟﻴﻚ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻴﺚ ﺃﻧﺖِ ﺭﺍﻗﺪﺓ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﺳﺎﺭﺕ ﺑﻲ ﻗﺪﻣﺎﻱ ﻣﻦ
ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪ ﻏﻴﺎﺏ ﻋﻦ ﻣﺪﻳﻨﺘﻚ ﺍﻟﻬﺎﺩﺋﺔ ﺣﻴﺚ ﺗﺴﻜﻨﻴﻦ ... ﻧﻌﻢ ﻳﺎ ﺃﻣﻲ، ﻭﺇﻧﻨﻲ ﺃﺟﺪﻫﺎ ﻣﺘﻐﻴِّﺮﺓ ﻛﺜﻴﺮﺍ
ﻋﻦ ﻣﺪِﻳﻨﺘﻨﺎ، ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﺭﺿﻴﺖِ ﺑﺎﻻﺑﺘﻌﺎﺩ ﻋﻦ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺪﻧﺎ .... ﻫﻨﺎﻙ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﻳﺨﺘﻠِﻒ،
ﺃﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﻗﺒﺮِﻙِ ﻭﻋﻦ ﺣﺠﺮ ﻣﺜْﻘﻮﺏ ﻭُﺿﻊ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻓﻮﻗﻪ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺃﻥ ﻳﻀﻴﻊ .. ﺍﻧّﻪ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ
ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﺮْﺷِﺪﻧﻲ ﺍﻟﻴﻚ ﻭﻣﺎ ﺇﻥ ﺃﺟﺪﻩ ﺣﺘﻰ ﺃﻗﻒ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴﺪﻩ ﻣﺼﻴﺮﻧﺎ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ
ﺃﻧﺸﺄ ﻧﻮﻋﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﺗﺤْﻮﻱ ﺍﻷُﻭﻟﻰ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﺟﺴﺪﺍ ﺣﻴّﺎ ﻳﺘﺴﺮّﺏ ﺍﻷُﻛﺴﻴﺠﻴﻦ ﺍﻟﻰ ﺭﺋﺘﻴْﻪ ﻳﻀُﺦّ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﻭﻳﺠﺮﻱ ﺍﻟﺪﻡ ﻓﻲ ﻋﺮﻭﻗﻪ ﻭﺗﺴﻜﻨﻪ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻐﺪﺕ ﺃﻛﻮﺍﻡ ﻓﻲ ﺟﻮْﻓِﻬﺎ ﻳﺮﻗﺪ ﺭُﻓﺎﺓ ﺃﻣﻮﺍﺕ .. ﻫﺎ
ﺃﻧﺎ ﺃﻗﻒ ﺃﻣﺎﻡ ﻛﻮﻣﺔ ﺗﺮﺍﺏ ﺗﺨﺘﺒﺌﻴﻦ ﺗﺤْﺘَﻬﺎ ﻭﻻ ﺗﺮﻳﺪﻳﻦ ﺍﻟﺒُﺮُﻭﺯ، ﻗﺪَّﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺟﻠَﻬﺎ ﻭﺷﻴَّﺪَﺗْﻬﺎ ﺍﻷﻳﺎﺩﻱ،
ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺘﻬﺎﻭﻯ ﻣﻦ ﻃﻮﻝ ﺍﻟﻤﺪﺓ ﺗﺤﺮﻗﻬﺎ ﺃﺷﻌّﺔ ﺍﻟﺸّﻤﺲ ﻭﺗﻌﺼﻒ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﺘﺠﺮﻑ ﻣﻦ ﺣﻴﻦ ﻵﺧﺮ
ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﺗﺮﺍﺑﻬﺎ ... ﺃﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺟﺴﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﺸِﻊِّ ﺟﻤﺎﻻ ﻭﺣﻴﻮِﻳّﺔ ﻟﻢ ﻳﺘْﺮُﻙ ﻟﻲ ﺳﻮﻯ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺻﻮﺭﺓ
ﺗﺨﺘﺮﻕ ﺍﻟﺬَﺍﻛﺮﺓ ﺍﺧﺘﺮﺍﻗﺎ ﻭﺻﺪﻯ ﺻﻮﺕ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺻُﻠْﺐ ﺍﻷﺭﺽ ﻳﺮﻥّ ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻲ .. ﺃﺣﺎﻭﻝ ﺃﻥ
ﺃﺗﺤﺴّﺲ ﺧﻔﻘﺎﺕ ﻗﻠﺒﻚ ﻭﻫﻮ ﻳﻨﻂ ﻓﺮﺣﺎ ﺑﻘﺪﻭﻣﻲ .. ﺑﻌﺪﻙ ﻳﺎ ﺃﻣّﻲ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﻓﻘﺪ ﻧُﻜْﻬَﺘﻪ ﻭﺃﺻﺒﺢ
ﺑﻄﻴﺌﺎ ﻭ ﺃﺻﺒَﺤْﺖُ ﺃﻛﺘﻮﻱ ﺑﺤﺮﻗﺔ ﺍﻟﺴّﺎﻋﺎﺕ ﻭﻟﻬﻴﺐ ﺍﻟﺜﻮﺍﻧﻲ . ﻛﻢ ﺗﻤﻨّﻴْﺖُ ﺃﻥ ﺗﺮﺍﻓﻘﻴﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻋﺠﺰﻱ
ﻭﺷﻴﺨﻮﺧﺘﻲ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﺍﻧﻔﻚّ ﻳﻬﺪﻡ ﺃﺣﻼﻣﻲ، ﺃﻻ ﺗﻤﺪِّﻳﻦ ﻳﺪﻳﻚ ﻟﺘﺄﺧﺬﻳﻦ ﺑﻀﻌﻔﻲ ﻭﺗﺮُﺩّﻳﻦ ﻗﺴﻮﺓ
ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻋﻨﻲ .. ﺃﻻ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﻟﻄﻤﻮﺣﻨﺎ .. ﺍﻟﻘﺎﻃﻊ ﻟﻌﺮﻕ ﺍﻟﻨَّﺒْﺾ ﻓﻴﻨﺎ .. ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻵﺗﻲ ﻣﻦ
ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻌﺘﻤﺔ ﻟﻴُﺴْﺪِﻝ ﺍﻟﻈُّﻠﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻓﺘُﺼْﺒِﺢ ﻓﻨﺎﺀ، ﺣﻨﺎﻧَﻴْﻚ ﻭﻫﻮِّﻥ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ .. ﻛﻢ
ﺃﻳّﺎﻣﻲ ﺑﺎﺭﺩﺓ ﻭﻛﺌﻴﺒﺔ ﺑﺪﻭﻧﻚ، ﻭﻛﻢ ﻣﺮﻳﺮﺓ ﻟﻮْﻋَﺔُ ﺍﻟﺸّﻮْﻕ، ﺃﻋﺎﻧﻲ ﻣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﻭﺍﻟﻔﻘﺪﺍﻥ ﻭﺍﻟﺤﺮﻣﺎﻥ ﻭﻛﻞ
ﻳﻮﻡ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﺣﺎﺟﺘﻲ ﺇﻟﻴﻚ ﺃﻛﺜﺮ، ﺃﺷﻌﺮ ﺑﻀﻌﻔﻲ ﻭﺃﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺭﻭﺣﻚ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﺗﻀﺦّ ﺑﻌﺾ ﻗﻮﺓ ﻓﻲ
ﻧﻔﺴﻲ .. ﻫﺎ ﺃﻧﺎ ﺃﻗﻒ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻨﻚ ﺃﻧﺎﺟﻴﻚ، ﺃﺣﺎﻭﻝ ﺍﺳﺘﺮﺟﺎﻉ ﺫﻛﺮﻳﺎﺕ ﺣﻘﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ
ﺃﻋﺮﻑ ﺣﻖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺃﻧﻬﺎ ﺳﻮﻑ ﻟﻦ ﺗﻌﻮﺩ ﻓﻬﻞ ﺗﺴﻤﻌﻴﻨﻨﻲ؟ ﻟﺴﺖ ﺃﺩﺭﻱ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩْﺭِﻳﻪ ﻫﻮ ﺃﻧﻚ
ﺍﻟﻮﺣْﻲُ ﺍﻟﻤُﻨَﺰّﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ .. ﻭﺍﻟﺮﺿﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺎ ﻓﺘﺊ ﻳﺜﻠﺞ ﺻﺪﺭﻱ ﻭﻳﺪﻓﻌﻨﻲ ﺇﻟﻰ
ﻣﻮﺍﺻﻠﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ . ﺃﺧﻴﺮﺍ ﺃﻣّﺎﻩ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻴﺪ ﺣﻴﻠﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺗﺼﺎﺭﻳﻒ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻭﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﺣﻘﺎ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻫﻮ
ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﺪﻭﺍﻡ ، ﻭﺇﻧﻨﻲ ﺃﺳﺘﺤﻀﺮ ﻫﻨﺎ ﺃﺑﻴﺎﺗﺎ ﻟﻌﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﻛﺮّﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺟﻬﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻳﻘﻮﻝ
ﻓﻴﻬﺎ : ﻻ ﺩﺍﺭ ﻟﻠﻤﺮﺀ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻳﺴﻜﻨﻬﺎ *** ﺇﻻ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﺎﻧﻴﻬﺎ ﻓﺎﻥ ﺑﻨﺎﻫﺎ ﺑﺨﻴﺮ ﻃﺎﺏ
ﻣﺴﻜﻨﻪ *** ﻭﺍﻥ ﺑﻨﺎﻫﺎ ﺑﺸﺮ ﺧﺎﺏ ﺑﺎﻧﻴﻬﺎ .