ﻣﺮّﺕ ﺃﺷﻬﺮ ﻭﺃﺯﻳﺰ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺍﺕ ﻻ ﻳﺘﻮﻗـّﻒ, ﻟﻘﺪ ﻋﻜـّﺮﻭﺍ ﺍﻟﺠﻮّ ﻣﻮﺗـًﺎ . ﻗﺎﻝ ﺃﺧﻲ ﺍﻷﺻﻐﺮ ... ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻓﻲ
ﺑﻴﺘﻨﺎ ﺣﻄﺐ ﻳﺎ ﺃﻣّﻲ ,ﻛﺎﻧﺖ ﻭﺟﻨﺘﺎﻩ ﺗﻜﺴﻮﻫﻤﺎ ﺣﻤﺮﺓ ﺷﺎﺣﺒﺔ ... ﺑﻘﻴﺖْ ﺟﺬﻭﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻳﺎ ﺻﻐﻴﺮﻱ .. ﻧﺘﺪﻓـّﺄ
ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﻭﻳﻔﺮﺟﻬﺎ ﺭﺑﻚ ... ﺃﺟﺎﺑﺘﻪ ﺃﻣّﻲ ﻭﺍﻟﻄـّﻴﻦ ﻳﻤﻸ ﺃﺻﺎﺑﻌﻬﺎ ﺍﻟﻤﺸﻘﻘﺘﻴﻦ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻴﻦ .
ﻣﻨﺬ ﻭﻓﺎﺓ ﻭﺍﻟﺪﻱ ﻋﻠﻴﻪ ﺭﺣﻤﺎﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﺗﻄﺄ ﻗﺪﻣﺎﻱ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ,ﻓﻠﻴﺲ ﻷﻣّﻲ ﻭﺃﺧﻲ ﻣﻦ ﻳﻬﺘﻢّ ﺑﻬﻤﺎ
ﻏﻴﺮﻱ , ﻛﺎﻥ ﺃﺧﻲ ﺍﻷﺻﻐﺮ ﻳﺴﺄ ﻝ ﺑﺒﺮﺍﺀﺓ ... ﻣﺘﻰ ﻳﻌﻮﺩ ﻭﺍﻟﺪﻱ؟ﺗﻘﻮﻝ ﺃﻣّﻲ ... ﻟﻘﺪ ﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ
.... ﻟﻴﺴﺘﺮﻳﺢ .
ﻛﻨﺖُ ﻣﺘﻌﺒﺎ , ﻣﺮﻫﻘﺎ ,ﻣﺸﺘـّﺘﺔ ﺃﻓﻜﺎﺭﻱ .. ﻛﻴﻒ ﻟﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﻨﺎﻡ ﻭﺑﺮﺍﻣﻴﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺗـُﻘﺬﻑُ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻛﻞّ ﻟﺤﻈﺔ
ﻭﺣﻴﻦ .ﻋﻨـّﻔﻨﻲ ﺭﺏّ ﻋﻤﻠﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻮﻡ , ﻟﻘﺪ ﺃﺷﺒﻌﻨﻲ ﺇﺫﻻﻻ ﻭﺗﻌﻨﻴﻔﺎ ﻷﻧﻲ ﺗﺄﺧـّﺮﺕ ,ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺟﺮﺗﻲ ﺯﻫﻴﺪﺓ
ﺑﺎﻟﻜﺎﺩ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﺸﺮﺍﺀ ﺍﻟﺮّﻏﻴﻒ , ﺍﻟﺘﻌﺐ ﻫﻮ ﺃﺟﺮﻱ ﺍﻟﻜﺎﻣﻞ , ﻛﻨـّﺎ ﻧﻔﺮﻍ ﺍﻟﺴّﻠﻊ ﻭﻧﺮﺗـّﺒﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﻼ ّﺗﻪ
ﻳﻮﻣﻴﺎ ,ﺇﻧـّﻪ ﺗﺎﺟﺮ ﻣﻌﺮﻭﻑ . ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﻨﺖُ ﺃﻋﻤﻞ , ﺗﻌﺜـّﺮﺕ ﻗﺪﻣﻲ , ﺗﺒﻌﺜﺮﺕْ ﺃﻃﺮﺍﻓﻲ ,ﺇﺭﺗﻄﻤﺖْ ﻋﻠﺒﺔ
ﺍﻟﺼّﺤﻮﻥ ﺑﺎﻷﺭﺽ .... ﻳﺎﺭﺏ ّﺳﺘﺮﻙ , ﻟﻘﺪ ﺗﻜﺴّﺮﺕ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ, ﻗﺎﻝ ﺭﺏّ ﻋﻤﻠﻲ ﻭﻛﻠـّﻪ ﺣﻨﻖ ﻭﺷﺪّﺓ ... ﻳﺎ ﻛﻠﺐ
.... ﻳﻌﻄﻴﻚ ﺍﻟﻌﻤﻰ ...ﺃﻧﺖ ﻣﻄﺮﻭﺩ ...ﻋﺪْ ﺇﻟﻰ ﺃﻣّﻚ ﻭﺃﻋﺠﻦ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻄﻴﻦ , ﺗﺒﻌْﺘـُﻪُ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺘﺒﻪ , ﺍﺧﺮﺝ
ﺳﺠﻼ ّﻭﺁﻟﺔ ﺣﺎﺳﺒﺔ, ﻣﺪّ ﻳﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﺧﺰﻧﺘﻪ ﻭﺃﺧﺮﺝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺎﻝ ,ﻋﺪّﻩ , ﺳﻠﻤﻦﻱ ﺇﻳـّﺎﻩ , ﻛﺎﻥ ﻧﺎﻗﺼﺎ , ﺣﻴﻦ
ﺇﺳﺘﻔﺴﺮﺗﻪ ﻗﺎﻝ ... ﻋﻠﺒﺔ ﺍﻟﺼﺤﻮﻥ ﺍﻟﻤﻜﺴﻮﺭﺓ ... ﻣﻦ ﻳﺴﺪّﺩ ﺛﻤﻨﻬﺎ؟ ﺑﻠﻌﺖُ ﺭﻳﻘﻲ ﺍﻟﺠﺎﻑ , ﺩﻋﻮﺕُ ﻋﻠﻴﻪ
ﻭﺩﻋﻮﺕُ ... ﻭﻣﺎ ﺯﻟﺖ .
ﻣﺴﻜﻴﻨﺔ ﻫﻲّ ﺃﻣّﻲ , ﻟﻢ ﺗﺘﻤﺎﻟﻚ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺣﻴﻦ ﺃﺧﺒﺮﺗﻬﺎ ﺑﺎﻷﻣﺮ, ﻛﺎﻥ ﺩﻋﺎﺅﻫﺎ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﺍﻟﻌﺮﻳﺾ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻫﻲ
ﺗﺘﻔﺤّﺺ ﻗﻠﻞ ﺍﻟﻄﻴﻦ ﻟﺘﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺳﻼﻣﺘﻬﺎ . ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻣﻴﻦ ﺳﺘﻄﻮﻑ ﻭ ﺃﺧﻲ ﺍﻷﺻﻐﺮﺍﻟﺒﻠﺪﺓ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ ﻋﻠـّﻬﺎ
ﺗﺒﻴﻊ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﻞ .
ﺃﺯﻳﺰ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺍﺕ ﺇﺯﺩﺍﺩ ﺣﺪّﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻮﻡ, ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺒﺮﺍﻣﻴﻞ ﺗﻬﻮﻱ ﻭﺩﻭﻳـّﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺟﺎﺀ ﻣﺴﻤﻮﻉ ,ﺟﺎﺀ ﺟﺎﺭﻱ
ﻣﺴﺮﻋﺎ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻪ ... ﺍﻟﺒﻠﺪﺓ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ ﺩﻛـّﻬﺎ ﺍﻟﻘﺼﻒ ... ﻳﺎﺭﺏّ ... ﺟﻒَّ ﺣﻠﻘﻲ , ﺗﺴﻤّﺮﺕُ ﻓﻲ
ﻣﻜﺎﻧﻲ ...ﺃﻣّﻲ ﻭﺃﺧﻲ ﻟﻘﺪ ﺫﻫﺒﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻟﺒﻴﻊ ﺍﻟﻘﻠﻞ ,ﻛﻨﺖُ ﺃﺑﻜﻲ ﻛﻄﻔﻞ ﺻﻐﻴﺮ ... ﻳﺎﺭﺏّ ﺃﻋﺪﻫﻤﺎ
ﺳﺎﻟﻤﻴﻦ , ﻫﺮﻭﻟﺖُ ﻛﺎﻟﻤﺠﻨﻮﻥ ﺗﺎﺋﻬﺎ, ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻠﺪﺓ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ ﻛﻨﺖُ ﺃﺳﺄﻝُ ﻛﻞّ ﻣﻦ ﺃﺻﺎﺩﻓﻪ ﻋﻦ ﺇﻣﺮﺃﺓ ﻭﻃﻔﻞ
ﺻﻐﻴﺮ ﻭﻗﻠﻞ ﻃﻴﻦ ﻣﻌﻬﻤﺎ .... ﻟﻜﻦ ﻻ ﺃﺣﺪ ﺗﺬﻛـّﺮَ ﺃﻧّﻪ ﺭﺀﺍﻫﻤﺎ .ﻛﺎﻧﺖ ﺩﻋﻮﺍﺗﻲ ﻟﺮﺑّﻲ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﻭﺗﺰﺩﺍﺩ .
ﺣﻞّ ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ ,ﻋـُﺪﺕُ ﻭﻣﺎ ﻣﻌﻲ ﺳﻮﻯ ﻋﺒﺮﺍﺗﻲ ﻭﺧﻴﺒﺎﺕ ﺁﻣﺎﻟﻲ ..., ﻟﻘﺪ ﺿﺎﻉ ﻛﻞّ ﺷﻲ ...ﺗﻤﻨـّﻴﺖُ ﻟﻮ
ﻟﺤﻘﺖُ ﺑﺄﺑﻲ ﻭﺃﻣّﻲ ﻭﺃﺧﻲ .. ﻛﻴﻒ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﻧﺎﻡ ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺳﻮﺍﻱ؟ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻃﻮﻝ ﻟﻴﻠﺔ ﻓﻲ
ﺣﻴﺎﺗﻲ .ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﻏﻔﻮﺕُ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﻴﺊ , ﺃﻳﻘﻀﺘﻨﻲ ﻃﺮﻗﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﺏ, ﺧﺮﺟﺖ ُﻣﺮﻋﻮﺑﺎ , ﻟﻢ ﺃﺻﺪّﻕ
ﻣﺎ ﺭﺃﺗﻪُ ﻋﻴﻨﺎﻱ ..ﺭﺣﺖُ ﺃﻗﺒـّﻞُ ﺃﻣّﻲ ﻭﺃﻋﺎﻧﻘﻬﺎ, ﺣﻤﻠﺖُ ﺃﺧﻲ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮﻱ ﻭﺩﺧﻠﻨﺎ , ﺣﻤﺪﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺳﺠﺪﺕ
ﺷﺎﻛﺮﺍ , ﻏﻠﺒﺘﻨﻲ ﺍﻟﺪّﻣﻮﻉ , ﻗﺎﻟﺖ ﺃﻣّﻲ .. ﻛﻨـّﺎ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﺓ ﺃﺧﺮﻯ .. ﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺤﻆ ّﻟﻢ ﻳﻤﺴّﻨﺎ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮّﺓ .
ﻗﺎﻟﺖ ﺃﻣّﻲ .... ﻣﺮّ ﺯﻣﻦ ﻭﻟﻢ ﻧﺰُﺭْ ﺟﺪّﻙ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ ...ﺳﻨﺰﻭﺭﻩ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ . ﻋﻨﺪ ﻋﻮﺩﺗﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺪّﺧﺎﻥ
ﻳﻤﻸ ﺍﻟﺒﻠﺪﺓ .... ﺇﻧـّﻪﺍ ﺍﻟﺒﺮﺍﻣﻴﻞ ... ﻟﻘﺪ ﺩﻛـّﻬﺎ ﺍﻟﻘﺼﻒ , ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﻳﻌﻠﻮﻫﺎ ﺩﺧﺎﻥ ﻣﻐﺒﺮ, ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻧﻘﺎﺽ
ﻣﺤﻔﻈﺘﻲ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻜﺮﺍﺭﻳﺲ ﻭﺃﻭﺭﺍﻕ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﺴﻨﺪﻳـّﺎﻥ, ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻨﺎ ﺷﻴﺊ ... ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻃﻌﺎﻡ ﻭﻻ
ﺷﺮﺍﺏ ... ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺑﻴﺖ ...ﻭﻻ ﻭﻃﻦ ... ﻣﻦ ﻟﻨﺎ ﺳﻮﺍﻙ ﻳﺎﺭﺏّ , ﺑﻜﻰ ﺃﺧﻲ ﺍﻟﺼّﻐﻴﺮ
ﻭﻗﺎﻝ ....ﺇﺷﺘﻘﺖ ُﻷﺑﻲ ﻳﺎ ﺃﻣّﻲ ﻣﺘﻲ ﺳﻴﻌﻮﺩ؟ ﺃﻣّﺎﻩ ﻓﻠﻨﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﻨـّﺔ ﺣﻴﺚ ﻧﻠﻘﻰ ﺃﺑﻲ , ﺣﻤﻠﺘﻪُ ﻋﻠﻰ
ﻇﻬﺮﻱ ﻭﻋﺪﻧﺎ ﺃﺩﺭﺍﺟﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﺟﺪﻱ ﻭﻳﺎﻟﻴﺖ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻮﺩﻧﺎ ﺃﺣﻤﺪ