المركز الثاني قصة نينوي 51.5 درجة للكاتب رسول يحي / العراق

نينوى
تسيرُ بين الأحراش ، والأشواك تغرز النبل بأقدامِها المنهكَة، هاربة تلوذُ بالليلِ البهيم، تبحثُ عن مأوى ، تنظرُ ذات اليمينِ والشّمالِ. يتملّكُها الخوف، تمسّكُ بالصّليبِ تختبئ بين الأشجار. تتمتمُ بشفاهٍ مرتجفةٍ: يا أمنا .. يا مريمَ العذرَاء بحقَّ الطَّهر الذي ألبسكِ الله ثوبَه، والروح التي نُفخَتْ فِي أحشائكِ.أنّ تشفعي لهذا الجسد وتُلبسيه العّف.. وخلاصُ نفسيّ. اذكريني يا مريم البتول برعايتكِ، فلا ترديّ تضرعاتيّ يا أمّ الكلمة المتجسّد، بل تلطّفي فأصغي إليّ واستجيبي ليّ أيتها العذرَاء المجيدة. لقد اختارتكِ المشورة الأزلية لتكوني أمّ الكلمة الأزلية المتجسدة أنتِ حافظة النعم الإلهية والمحامية عن الخطيئة . التجئ إليكِ فتكرمي وكوّني هاديتي ومشورتي. استمدي ليّ بواسطة دم أبنكِ الثمين الطمأنينة . بروح الابن المقدس المجدل بتاج الشوك على العمود والغصن الأخضر أن تنقذيني
تتوسّدُ الأرضَ في ذلك الوادي السحيق، تترقبُ السماءَ تخشى اقتراب النهار . تغفو على مشاهدة النجوم الساطعة , في لحظة وَسدها. تراءت لها العذراء تنتظر المنقذ من الذئاب المسعور والذين يبتغون طهرها غنيمة حرب. تنهض فزعة تتلقفها وحوش بربرية وأيادي خشنة تنهش بجسدها الناعم .
:" أحقاً أنيّ سقطت بيد هؤلاء البرابرة .. يا ليتَ مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا .. أحقاً هذهِ نهايتي أم بدايتي.. آه يكادُ رأسي ينفجر من شدة الوجع .. أريدُ قليلاً من الماء أرطب جوفي المتيبس قليلاً من الماء يهزم أله العطش الذي يتملك جسدي وعروقي .. لا .. لا.. لن أطلب الماء منهم حتى لو متُ عطشاً .. أنني عطشى حتى أسنة لساني متيبسة لا أستطيع أن أرطب فمي . فعودي الطري لم يتحمل العطش وأشعة الشمس أللهبة تلسع قرص وجهيَّ.
أبي لماذا لم تبقيني معكَ ألقى نفس المصير . لماذا ساعدتني ومهدت الطريق إليَّ للهرب . أبي .. أنني أسيرة لا أعرف مصيري.. لو مت بالأمس معكَ كان أهون عليَّ وانتهت معها معاناتي
أبي هاهي الرحلة شارفت على الانتهاء وعدت إلى المدينة التي هربت منها من جديد وعيني تترقب الشوارع والأزقة ابحث عن دارنا .
أيها الأب الرحيم .. يا يسوع المسيح . ترأف وارحم غربتي . يا أمنا الحنون .
تتلوا صلواتها بهمسٍ شديدِ وأنين فِي الصدور لا يسمع منهُ سوى دمدمت الشفاه :" أين يأخذوننا وأية هاوية سحيقة سقطنا فيها . ما بال الناس يلوحون بأياديهم فرحين بأسرنا . ماذا فعلنا لهم حتى نلقى هذا المصير ومن هن النسوة والأطفال الذين معي في الأسر أنا لا أعرفهن ولا أفهم أو أدرك المنطق من كل ذلك . أنهُ العبث بعينه:" من ذلك الشخص الملتحي والأشعث الشعر والكل يأتمرون بأوامره يبدو من زيهِ الأفغاني وسحنته أنهُ ليس عربي ربما شيشاني أو من القوقاز.
تأتي الأوامر بوضع السبايا في أحدى الصفوف العلوية من المدرسة وفي صف واحد ويحشرون مع الأطفال.يضاق المكان بهم ويكادون يختنقون من كثرة الازدحام وسقف الصف يقطرُ ماءاً من أبخرة أنفاسهم المحبوسة معهم ينادى على كل أمراءه بسبيه .
" يا ويلي نحن سبايا.. أي مصير هذا الذي نلقاه . هل نباع بسوق الرقيق كالعبيد؟ أي سخرية للأقدار أنا نينوى من شدة ولع أبي بمدينة الحدباء التي عاش فيها ولم يغادرها يوماً واحداً سماني باسمِها .. أباع كالرقيق. أنا الطالبة في كلية الطب أكون عبده وسبيه لهؤلاء . الموت أرحم ليّ من ذلك . أي عاصفة هوجاء اجتاحت مدينتنا وألقت بنا في متاهات الظلام
في لحظة شرود تستغل نينوى الزخم والهرج وقامت منتفضة كالعصفور الهارب من قفصه إلى سطح المدرسة وهي تتضرع إلى مريم العذراء لتغفر لها .ألقت بجسدها من أعلى السطح نحو الباحة لتهدر دمها مفضلة الانتحار على السبي.