( رثاء الاندلس)

الاندلس هذه البلاد الرائعة والارض الخصبة والجتة الفينانة عربها العرب بعد دخولهم لها فاتحين ونشروا العلم والادب والمعرفة والعرفان فيها فاصبحت جنة الدنيا ومنارة الارض تسطع في نور العلم والادب مئات من السنين الا انه بعد هذا العز والحياة السعيدة التي شيدت عليها تجمع الصليبيون من جديد املهم في أ عادتها لحاضرتهم وطرد المسلمين العرب منها وكان هؤلاء قد دب الشقاق بينهم فاصبحوا دويلات وطوائف بدلا من دولة واحدة قوية مستقرة فتفرقوا ليقع الجميع في قبضة اعدائهم اذ شجعوا كل نزاع بينهم واذكوا اواره حتى التهب فاحرق اليابس والاخضر حيث قضوا عليهم بايجاد النزاع فيما بينهم ويث الفرقة و التطاحن بين هذه الدويلات والممالك العربية في الاندلس فاقتتل الاخوة فيما بينهم شديدا وطويلا حتى اذا ضعف الجميع احاطوا بهم من كل حدب و صوب فقضوا عليهم .
وافضل ما انتشر في هذه البلاد وظل تراثا خالدا هو الثقافة العربية في العلم والادب وخاصة الشعر العربي اذ تطور فيها كثيرا بحيث كان فيها اكثر من مائتي شاعر وشاعرة وفيهم فحول الشعر العربي كابن زيدون والمعتمد بن عباد وابن عبدون وغيرهم كثير فكل شيء ذهب وتلاشى الا الشعر الاندلسي فلا زال وسيبقى خالدا و نبراسا للشعر العربي .
ان السمة و الحالة الاسمى لدى الشعراء العرب قديما وحديثا انهم يحنون الى ماضي مجد امتهم فقد ذهبت الاندلس وعادت لتنام في ظلم وغياهب الجهل الاوربي في القرون الوسطى فشرد العرب وقتلو ا شر قتل لامثيل لها في التاريخ الا انهم احتفظت ذاكرتهم بمجد هذه البلاد وكيف عمروها اكثر من اهلها الاصلاء وذكر الشعراء كل صغيرة وكبيرة في دواوينهم و قصائدهم وموشحاتهم التي اضحت من روائع الادب العربي بل والعالمي ايضا .
بعد ضياع الاندلس وجد في الشعرالعربي غرض جديد او قل فن جديد من فنون الشعر الا وهو رثاء المدن او هو بالاحرى رثاء الممالك والمدن التي ذهبت وثكل العرب بها وكا ن هذا الفن من اهم الاغراض الشعرية حيث كان مواكبًا لحركة النزاع السياسي راصدًا لأحداثه مستبطنًا دواخله ومقومًا لاتجاهاته.
وكان قد ا ثبت سلبيات المجتمع الأندلسي بسبب ما انغمس فيه الناس في حياة اللهو والترف. فالصوت الشعري لرثاء الأندلس يخالف الأصوات الشعرية الأندلسية الأخرى التي ألفها أهل الأندلس في الموشحات والازجال ووصف الطبيعة و في الغزل وبقية الأغراض الأخرى. فقد كان سقوط مدينة ( طليطلة ) في أواخر القرن الخامس الهجري بداية المأساة؛ فهي أول بلد إسلامي يدخله الفرنسيون وكان هذا يمثل مصابا عظيما هزّ النفوس هزًا عميقًا. يقول شاعر مجهول يرثي (طليطلة) في قصيدة مطلعها:
لثُكلكِ كيف تبتسم الثغور
سرورًا بعدما سبيت ثغور
طليطلة أباح الكفر منها
حماها إنّ ذا نبــأ كبـــير
وقد استوقفتني ثلاث قصائد في الشعر الاندلسي تعد من روائع الشعر العربي في رثاء بلاد الاندلس بعد ضياعها وسلبها من ايدي العرب الذين عمروها ونشروا الثقافة والعلم والادب في كل ارجائها منها عبر ت الثقافة الى اوربا قاطبة فكانت رافدا من روافد النهضة الاوربية الحديثة
اما الاولى فهي للشاعر ابي محمد عبد المجيد بن عبدون الفهري المتوفي سنة \ 520 وكان أديبا شاعرا كاتبا مترسلا عالما بالخبر والأثر ومعاني الحديث وقد أخذ الناس عنه وله مصنف في الانتصار ل (أبي عبيد على ابن قتيبة ) ومن شعره قصيدته الرائية التي رثى بها ملوك (بني الأفطس) اذ يحشد ( ابن عبدون ) الكثير من أحداث التاريخ وتقلباته ويحكي ما أصاب الدول والممالك من مآسٍ ومحن متخذا من ذلك سبيلا للعظة والتأسي. وتمتاز القصيدة على طولها بحدسية تاريخية شعرية قوية وعاطفة جياشة يقول فيها :
الدهر يفجع بعد العين بالأثر
فما البكاء على الأشباح والصور
أنهاك أنهاك لا آلوك موعظة
عن نومة بين ناب الليث والظفر
فالدهر حرب وإن أبدى مسالمة
والبيض والسود مثل البيض والسمر
ولا هوادة بين الرأس تأخذه
يد الضراب وبين الصارم الذكر
فلا تغرنك من دنياك نومتها
فما صناعة عينيها سوى السهر
ما لليالي أقال الله عثرتنا
من الليالي وخانتها يد الغير
في كل حين لها في كل جارحة
منا جراح وإن زاغت عن النظر
تسر بالشيء لكن كي تغر به
كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر
كم دولة وليت بالنصر خدمتها
لم تبق منها وسل ذكراك من خبر
هوت بدارا وفلت غرب قاتله
وكان عضباً على الأملاك ذا أثر
واسترجعت من بني ساسان ما وهبت
ولم تدع لبني يونان من أثر
وألحقت أختها طسماً وعاد على
عاد وجرهم منها ناقض المرر
وما أقالت ذوي الهيئات من يمن
ولا أجارت ذوي الغايات من مضر
ومزقت سبأ في كل قاصية
فما التقى رائح منهم بمبتكر
وأنفذت في كليب حكمها ورمت
مهلهلاً بين سمع الأرض والبصر
ولم ترد على الضليل صحته
ولا ثنت أسداً عن ربها حجر
ودوخت آل ذبيان وإخوتهم
عبساً وغصت بني بدر على النهر
وألحقت بعدي بالعراق على
يد ابنه أحمر العينين والشعر
يتبــــــــــــــــــــع