ﻣﻴﻼﺩ..بقلم الكاتب المصري عادل سلامة _ مجلة نجوم الأدب والشعر

ﻣﻴﻼﺩ
ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻓﺠﺮﺍً , ﻧﺎﻣﺖ ﺍﻷﻋﻴﻦ ﻛﻠﻬﺎ ﻭﺑﻘﻴﺖ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻣﻔﺘﻮﺣﺘﻴﻦ , ﺣﺎﻥ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻟﻜﻲ ﺗﻨﻔﺬ ﻣﺎ
ﻗﺮﺭﺕ ﺃﻥ ﺗﻔﻌﻠﻪ ﻭﺣﺴﻤﺖ ﺃﻣﺮﻫﺎ , ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻋﻨﻪ ﺑﺪﻳﻼً ﺭﻏﻢ ﺑﺸﺎﻋﺘﻪ , ﻧﻬﻀﺖ ﻣﻦ
ﺳﺮﻳﺮﻫﺎ ﺑﺈﻧﻬﺎﻙ ﻭﺑﻂﺀ , ﺣﻤﻠﺖ ﻃﻔﻠﺘﻬﺎ ﻭﻟﻴﺪﺓ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﺈﻧﻬﺎﻙ ﻭﺣﺬﺭ ﻟﻜﻴﻼ ﺗﺴﺘﻴﻘﻆ ﻭﺗﻮﻗﻆ ﺍﻟﻤﻤﺮﺿﺎﺕ
, ﻓﺘﺤﺖ ﺑﺎﺏ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﻭﺩﻟﻔﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺩﻫﺔ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﺟﺪﺍً ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺤﻆ , ﺛﻢ
ﺍﺧﺘﺒﺄﺕ ﺧﻠﻒ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﺤﻮﺍﺟﺰ ﺍﻟﻌﺎﺯﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻟﺴﺘﺮ ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﻜﺸﻒ , ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺗﺮﺍﻗﺐ
ﻣﻮﻇﻒ ﺍﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺑﺼﺒﺮ ﻣﻨﺘﻈﺮﺓ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ , ﺣﺘﻰ ﻧﻬﺾ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺃﺧﻴﺮﺍً ﻟﻘﻀﺎﺀ ﺣﺎﺟﺘﻪ ,
ﻓﺎﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﺴﺮﻋﺔ ﻧﺤﻮ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻭ ﻻﺫﺕ ﺑﺎﻟﻔﺮﺍﺭ .
ﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ ﻣﻨﻄﻘﻴﺎً ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ , ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ ﺃﻥ ﺗﻈﻞ ﻣﻘﻴﻤﺔ ﺑﺎﻟﻤﺸﻔﻰ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﺍﻟﺒﺎﻛﺮ , ﻛﻴﻒ
ﺳﺘﺠﻴﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﻪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﺭﻭﺗﻴﻨﻴﺔ ﻋﻦ ﺑﻴﺎﻧﺎﺕ ﻭﺍﻟﺪ ﺍﻟﻄﻔﻠﺔ ﻭﻫﻲ ﺃﺻﻼً ﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﻦ
ﻳﻜﻮﻥ , ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺳﺘﺄﺗﻲ ﺑﻤﺼﺎﺭﻳﻒ ﺍﻟﻮﻻﺩﺓ ﻭﺍﻹﻗﺎﻣﺔ ﻭﺃﺟﺮﺓ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ , ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺘﻠﻚ
ﺍﻻﺳﺘﺠﻮﺍﺑﺎﺕ ﻋﻨﺪ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﺍﺿﻄﺮﻫﻢ ﻟﻘﺒﻮﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻮﺭ , ﺃﻣﺎ ﺍﻷﻥ ﻭﻗﺪ ﺗﺤﺴﻨﺖ ﺻﺤﺘﻬﺎ ﻓﻠﻦ
ﻳﺮﺣﻤﻬﺎ ﺃﺣﺪ ﺇﺫﺍ ﺑﺎﺗﺖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ .
ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻣﻤﻄﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﺑﺎﻟﺨﺎﺭﺝ ﻭﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ﺷﺒﻪ ﺧﺎﻟﻴﺔ , ﺃﺟﻮﺍﺀ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ ﻟﻜﻲ ﺗﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻋﺎﺭﻫﺎ ﻓﻲ
ﺻﻤﺖ , ﻳﺒﺪﻭ ﺇﺣﺴﺎﺱ ﺍﻟﺨﻼﺹ ﺟﻤﻴﻼً ﻣﺮﻳﺤﺎً , ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ ﻣﻨﺬ
ﺗﺴﻌﺔ ﺃﺷﻬﺮ ﻭﺳﺘﻌﻮﺩ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻤﺎﺭﺳﺔ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ , ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﻐﺎﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻟﺪﺕ ﻭﺗﺮﻋﺮﺕ ﺑﻬﺎ
ﺣﺘﻰ ﺃﻟﻔﺘﻬﺎ ﻭﺗﺸﺒﻌﺖ ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ , ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺿﻤﻨﺖ ﻟﻬﺎ ﻋﻴﺸﺔ ﻣﺮﻳﺤﺔ ﺑﻤﺎ ﺗﺪﺭﻩ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ
ﻣﺎﻝ ﻭﻓﻴﺮ , ﺣﺎﻥ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻟﻜﻲ ﺗﺼﺤﺢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺫﺍﻗﻬﺎ ﻣﺮﺍﺭﺓ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺃﺭﻫﻘﻬﺎ ﺑﺎﻷﻭﺟﺎﻉ , ﺍﻟﻴﻮﻡ
ﺳﺘﻌﻮﺩ ﻟﺒﻠﺪﺗﻬﺎ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ , ﻭﺳﺘﻘﻀﻲ ﻟﻸﺑﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻄﺔ ﺿﻌﻔﻬﺎ ﺍﻟﻐﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺠﻠﺐ ﻟﻬﺎ
ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺨﺮﺍﺏ .
ﺗﺎﺑﻌﺖ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻏﻴﺮ ﺁﺑﻬﻪ ﺑﺎﻷﻣﻄﺎﺭ ﺍﻟﺮﻋﺪﻳﺔ ﺍﻟﻤﻨﻬﻤﺮﺓ ﻓﻮﻕ ﺭﺃﺳﻬﺎ , ﺣﺘﻰ ﻭﺟﺪﺕ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺃﻣﺎﻡ
ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎﺯﺍﻟﺖ ﺗﺤﺖ ﺍﻹﻧﺸﺎﺀ , ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺧﻔﺮﺍﺀ ﺃﻭ ﻋﻤﺎﻝ ﺃﻭ ﻣﺎﺭﺓ ﻓﻬﺬﺍ ﺇﺫﺍً ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ
ﺍﻟﻤﻨﺎﺳﺐ , ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻟﻠﺤﻈﺔ ﻟﺘﻠﺘﻘﻂ ﺃﻧﻔﺎﺳﻬﺎ ﻭﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺛﺒﺎﺕ ﺍﻧﻔﻌﺎﻻﺗﻬﺎ , ﺛﻢ ﺩﺧﻠﺖ ﺍﻟﺒﻨﺎﻳﺔ
ﺍﻟﻤﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﻃﺎﺑﻖ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﺒﻨﻲ ﺑﺎﻟﻄﻮﺏ ﺍﻷﺣﻤﺮ , ﺗﻌﺜﺮﺕ ﻣﺮﺍﺕ ﻭﻣﺮﺍﺕ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻬﺘﻢ , ﻗﻠﺒﻬﺎ
ﺍﻟﺤﺠﺮﻱ ﺍﻟﺼﻠﺪ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺮﺍﺟﻊ , ﻭﺍﺻﻠﺖ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﺣﺘﻰ ﻟﻤﺤﺖ ﻣﻮﺿﻌﺎً ﺟﺎﻓﺎً
ﻣﺴﺘﻮﻳﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺎﻧﺤﻨﺖ ﻟﺘﻀﻊ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺑﻪ , ﺛﻢ ﻭﻗﻔﺖ ﻟﺘﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮﺓ ﺃﺧﻴﺮﺓ .
ﻭﻗﻔﺖ ﺗﺘﺄﻣﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻼﻙ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺘﻬﺎ ﺳﻔﺎﺣﺎً , ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺿﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﻠﻘﺎﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺳﻂ
ﺍﻟﻈﻼﻡ ﺑﻼ ﺫﻧﺐ ﺍﺭﺗﻜﺒﺘﻪ , ﻣﻦ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﺣﻘﺎً ﺃﻻ ﺗﺄﺗﻲ ﺍﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻜﻴﻼ ﺗﻠﻘﻰ ﻧﻔﺲ ﻣﺼﻴﺮ
ﻭﺍﻟﺪﺗﻬﺎ , ﺳﺘﻤﻮﺕ ﻣﻴﺘﺔ ﻫﻨﻴﺌﺔ ﺃﻭ ﺳﺘﻌﻴﺶ ﺇﺫﺍ ﻗﺪﺭ ﻟﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﺃﻓﻀﻞ , ﺍﻵﻥ ﻗﺪ ﺣﺎﻥ ﻭﻗﺖ
ﺍﻻﻧﻔﺼﺎﻝ , ﻓﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻄﻔﻠﺔ ﺍﻟﺒﺮﻳﺌﺔ ﻟﻦ ﺗﺘﻮﺍﻓﻖ ﻳﻮﻣﺎً ﻣﻊ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﻫﺮﺓ , ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻈﻼﻡ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﺍﻟﻤﺘﺮﺍﻛﻢ
ﻟﻦ ﻳﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﺭﺣﻤﻪ ﻧﻮﺭﺍً ﺃﺑﺪﺍً , ﻻ ﻣﻜﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺪﻧﺴﺔ ﻭﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻣﺎ ﺗﺘﻤﻨﺎﻩ ﻣﻄﻠﻘﺎً ,
ﺳﺘﺤﺘﺎﺝ ﺣﺘﻤﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻨﺎﻥ ﻭﺍﻟﻌﻄﻒ ﻓﻠﻦ ﺗﺠﺪ ﺳﻮﻯ ﺍﻷﻧﺎﻧﻴﺔ , ﻭﺳﺘﻔﺘﻘﺪ ﺍﻷﻡ ﺍﻟﺤﻨﻮﻥ ﻭﻟﻦ ﺗﺸﻌﺮ
ﺑﻘﻴﻤﺘﻬﺎ ﻭﺳﻂ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ , ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻗﻄﻌﺎً ﻫﻮ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺓ ﺑﻼ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ , ﻭﻷﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ
ﺳﻮﺩﺍﺀ ﻟﻬﻮ ﺃﻓﻀﻞ ﺑﻤﺮﺍﺣﻞ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻛﺬﻟﻚ .
ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﺇﺫﺍً ﺗﺘﺼﻠﺐ ﻋﻀﻼﺗﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﺭﺍﻓﻀﺔ ﺍﻟﺮﺣﻴﻞ , ﻣﺎ ﺳﺮ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺨﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺒﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﺑﺠﻮﺍﺭ ﻃﻔﻠﺘﻬﺎ ﻭﺗﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻭﺣﻴﺪﺓ , ﻭﻣﺘﻰ ﻧﺸﺄ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻁ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻒ
ﻣﺴﺘﻬﺰﺀﺍً ﺃﻣﺎﻡ ﻛﻞ ﻓﺮﺿﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻤﻨﻄﻖ , ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻻ ﻳﻄﺎﻭﻋﻬﺎ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭﻣﺘﻰ ﺃﺻﺒﺢ
ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻗﻠﺒﺎً ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺎﺱ , ﻟﻠﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻳﻨﺘﺎﺑﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﻟﻌﺎﺭﻡ ﺑﺎﻟﻀﻌﻒ , ﺗﺜﻮﺭ ﻧﻔﺴﻬﺎ
ﻭﺗﺤﺘﺞ ﻭﺗﻐﻀﺐ , ﻭﺗﺘﻤﻨﻰ ﻟﻮ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻨﻬﺎﻝ ﺑﺎﻟﻀﺮﺏ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﺘﻠﻬﺎ , ﺗﻠﻌﻦ
ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻒ ﺣﺎﺋﻼً ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﻟﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ , ﻭﺗﻜﺘﺸﻒ ﺑﺎﺳﺘﻐﺮﺍﺏ ﺃﻧﻪ ﻣﺎﺯﺍﻝ ﺑﺪﺍﺧﻠﻬﺎ
ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺍﻗﺘﺮﻓﺘﻪ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﻡ , ﻭﺃﻥ ﻣﺸﺎﻋﺮﻫﺎ ﻣﺎﺯﺍﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﺑﻌﺪ
ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﻗﻮﺩ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ .
ﺍﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﻏﺎﺭﻗﺔ ﻓﻲ ﺧﻮﺍﻃﺮﻫﺎ ﺍﻟﺤﺎﺋﺮﺓ ﻓﺄﺳﺮﻋﺖ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ﻻ ﺷﻌﻮﺭﻳﺎً , ﺗﺮﻯ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ
ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺘﻴﻦ ﻟﻠﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﺘﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺮ ﻓﻰ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺟﻤﺎﻻً ﻛﻬﺬﺍ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ , ﺗﺤﺘﻀﻦ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ
ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﺃﻛﺜﺮ , ﻓﻴﻨﻬﺎﻝ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺿﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻭﻳﺒﺪﻭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻛﺼﻔﺤﺔ ﺑﻴﻀﺎﺀ ﺗﺠﻤﻌﻬﻤﺎ
ﺳﻮﻳﺎً , ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻤﺸﻘﺔ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﻋﻜﺲ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ , ﺗﺤﺎﺻﺮﻫﺎ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻘﺎﺗﻤﺔ ﻭﺗﻜﺎﺩ ﻭﺳﻮﺳﺔ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ
ﺃﻥ ﺗﺼﻴﺒﻬﺎ ﺑﺎﻟﺠﻨﻮﻥ , ﻓﺘﻤﺪﻫﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﺒﺮﻳﺌﺔ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﺑﺸﻌﺎﻉ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻳﺒﻌﺚ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ
ﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻭﺍﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ , ﺗﻨﻬﻤﺮﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﺻﺎﻣﺘﺔ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﻨﻴﺖ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺫﻧﻮﺏ , ﺛﻢ
ﺗﻐﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﺒﻨﻰ ﺣﺎﻣﻠﺔ ﺍﺑﻨﺘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻻ ﻣﻜﺎﻥ , ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺑﻌﻴﺪﺓ , ﺇﻟﻰ ﺃﺭﺽ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺗﻤﻠﺆﻫﺎ
ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﻐﻔﺮﺍﻥ , ﺣﺎﻟﻤﺔ ﺑﺄﻥ ﺗﺮﻯ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺰﻫﺮﺓ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺗﻜﺒﺮ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ , ﻃﺎﻣﻌﺔ ﻓﻲ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﺴﺘﺮ
ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻇﻠﺖ ﻗﺒﻠﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﻤﻦ ﻓﺎﻗﻮﻫﺎ ﻇﻠﻤﺎً ﻭﻋﺼﻴﺎﻧﺎً