الأمرُ كان في غاية البساطة؛ أنْ يقومَ أحدُهم إلى المطبخ، ويجلبَ كأس الماءِ.
وهذه الكأس، أرادها الطفلُ الصغيرُ ذو الأعوام الثلاثة.
شعر بالعطش، وقال:
ـ ماما أريدُ ماء...
و"الماما" كانت منسجمةً غاية الانسجامِ مع "منار" وهي تبْحث عن زوجِها "كمال"، الذي فقدَ ذاكرتَهُ.
قالت، دون أن تعني أحداً من الذين كانوا معها، لكن كمن يُصْدِرَ أمراً لفريقٍ من الجنود:
ـ لِيَقُمْ أحدُكم ويجلب الماءَ.
كان معها زوْجُها، وحماتُها، وابناها الصغيران.
الزوجُ بدا أنه لم يسمعْ، فقد كان مستغْرقاً في حلِّ "الكلمات المتقاطعة".
الحماةُ عبست، واشتعلت فيها نارُ الحماةِ، وزفرت زفْرَةً لو مسَّت وجهَ "الماما" لأحرقتها.
والولدان الصغيران ظلاَّ يلعبان، ويشاكس أحدُهما الآخر.
فقال الطفلُ العطشانُ بصوتٍ أعلى:
ـ ماما أريد ماء...
التفتت "الماما" إلى الجماعة، وقالت بنبرةٍ مشوبةٍ بحِدَّةٍ منفلتةٍ:
ـ لماذا لم يقم أحدكم ويجلب الماء للولد؟
تململت الحماةُ ونظرت إلى ابنها نظرات لها معنى، التقطها الابنُ بسهولة، فانتفض في مجلسه، وزعق:
ـ من تأمرين بالضبط أن يجلب الماءَ؟
قالت الزوجةُ بسرعةٍ:
ـ الولدان...
فردَّ عليها:
ولماذا لا تقومين أنتِ وتجلبين الماء؟
فقالت:
ـ وهل أنا وحدي في البيت؟
تطلعت إليها الحماةُ بنظرةٍ حاميةٍ، وقالت لها:
ـ هل تقصدينني أنا؟
قالت الزوجةُ:
ـ بل أقصد الولدينِ..
ـ لكنَّ الولدين صغيران، وأنت "الماما".
ودون أن تشعرَ ردَّتِ الزوجة:
ـ أرجوك يا حماتي لا تتدخلي بيني وبين أولادي.
هكذا إذن تحسبينني غريبةً عن البيت، ولستُ واحدةً من العائلةُ، وكأنَّ هذا "الشَّحْط" (تقصد ابنَها) ليس ابني؟
وانخرطت في بكاءٍ تفجَّرَ من عينيْها دون توقُّعٍ.
فقامَ "الشَّحْطُ" قوْمَةً زلزلت الحجرة زلزالَها، وأمسكَ زوجتَهُ من شعْرِها، وقال لها آمراً بصوتٍ عالٍ:
ـ أنتِ امرأةٌ حاقدةٌ، ولا تستحقين المعاملة الطيبة، هيا اغربي عن وجهي أنت وأبناؤك...
وخطا نحو التلفزة، يريدُ أنْ يُطفِئها، فتمسَّكت به الزوجةُ، تتوسَلُ إليه أن لا يفعلَ ذلك، ف "منار" على وشك أن تعثرَ على حبيبِها "كمال" الذي فقدَ ذاكرتَهُ...
ارتفع الزعيقُ... تجمَّدَ الولدان الآخران في مكانهما.. تمتمت الحماةُ بعبارات ساخطةٍ... صرخَ الطفلُ العطشانُ صرخةً قويَّةً...
جَرى إليه الجميعُ، وجدوه يسيلُ دماً، بعد أن جرح كفَّهُ الصغيرة بزُجاجِ كأس الماءِ.