شروق الحقيقة
تسَاءَلَ الحَاضرُ المُحتضَرُ عَنْ مَجْدِ مَاضيهِ التّليدِ ،في قرية مغمورة بالمحبة ، من سفوح جبالها تَضُوع الحرية فتغسل وجنتَيْ الحياة الخجولة ، وقممها شامخة بالكرامة ،الكلّ جمعتهم المودّة كعائلة واحدة ، اِرتفعت أصداء الرّعب بعدما دقّت الخُطوب أجراس الحُزن، فتسلّل من خلف الهدوء شحوب الفتَنِ ،ليحصِد الغَدر مُهجة السّعادة ، فيرحل رفقة زوجتِه محملا بحزنه على قريته التّي أرخت مجدها للظّلم ، فأغمدوا في صدرها مرارة التّفرقة ...تراكمت الثّلوج أمام باب بيته المحاط بسياج خشبي ، يقطن في غابة يخافها السّكان لارتباطها بالخرافات والأساطير التي زادت من هيبتها ... تعوّد " لؤي "على قسوة المعيشة فيها ، يصطاد قوت يومه ،وزوجته تقاسمه عبء الحياة ، اَحضر عُدّته ليصلح سقف بيته، فالشّتاء هذا العام جاء متهكمًا يرمي الأرض بالبَرَد والزّمهريرِ، ينفخ في كفيْه من شدّة البرودة ،فعليه أن يفتح المدخنة التّي أغلقها عشّ لقلق هاجر لمكان دافئ تاركا لهم ذكرى الرّبيع ... يٌصلح السّقف وهو يتأفف من شدّة التّعب ...نزل بعدما أنهى تصليحاته... رمى الحطب في المدفأة ، اِنتشر الدفء في البيت الصّغير... الزوجة حضرت طاولة الغداء... اِلتحق الرّجل المنهك مسرعًا ،كأنّه لم يتذوق الطّعام من قبل ، لم يرفع رأسه حتى أنهى آخر لقمة...غربت شمس هذا اليوم ... سمع دقا على باب منزله ، اِقترب منه يسأل : من الطّارق ! ـ لا أحد يجيب ـ أمسك عصاه بقوةٍ، فتح الباب، إذا به أخوه ملقىً على عتبة البّاب...أخي ماذا حلّ بك؟... قميصه كلّه أحمر، يتصبّب عرقا، أدخله إلى البيت، ضمدّ جرحه البّليغ، وبقيّ قرب سريره طول اللّيل، يقيس له حرارته ...اِنخفضت الحمى، اِستفاق أخوه، بعد ليلة متعبة ، سأله : ماذا جرى ؟ ...تنهد الأخ مطولا: لم ينجُ من براثنهم غيري...تحجّرت عينا " لؤي ": من تقصد؟ ... بصوت خافت أجاب: الذّين أغرقونا في الزّيف وغسلوا أفكارنا بالأوهام