أقلبُ بصري في هذهِ العزلة الصخرية الملفوفة بسماء مكفهرة ، تثير الكآبة . نزهة قسرية بهذه الوحشة المطبقة على كل شيء . بدأتْ السماءُ تنثُ فأسرعنا نحتمي بشجرة بلوط ضخمة من المطرِ ....ورصاص لا يُسمع سوى أزيزه .أدركتُ الأمرَ متأخراٌ .لم أُقدرْ خطورة الوضع ألا بعد أن تم بسرعة وهدوء ...خدعتني حواسي
.تركني أُعاني في هذه المفازة الوعرة ،المليئة بالمفاجئات والجذوع المحترقة ، ورحل .... أرض قاسية ،طقس قارص ، وحضيرة بمكان قرب السماء .فجأة قرر أن يرحل ....وكما الآخرين لم يرجع أي منهم ،ليخبرنا ما الذي وجده هناك
لم يعد ..... هل أغوته الدبة ؟
أنساق وراء نزواته المكبوتة فتواريا في هذه الوديان السحيقة والمغارات الموحشة ..... ذاقت حلاوة الوصال فلحستْ ركبتيه ،وظل أسير النعومة المرعبة والخطر المحدق . تركني للغربة ورحل للأبدية دون أن يترك لوعة لدى الآخرين ، كأن الأمر عاديا ، حسم ببضعة كلمات بطريقة مورس ...انتحر الرقم .
لم يكن على سجيته عندما انحدرنا في رحلةِ الصباحِ .لم ينخر أو يشخر ليرد على نَواحي وأنا أغني فوق ظهره .ضربته على كفليه لأستثيره ،ركلته ببطنه برفق ، لم يرد علي ....في منتصف الطريق وقفنا لنستريح عند النبع ، مررتُ بيدي على رأسه امتنانا .رمقني بنظرة عارية فارغة .
كأنه يقول :أُلقي بنا هنا بلامبالاة كشيء رخيص
قلت وأنا أطوق رقبته بذراعي : الضعيف مكب للصفعات
في هذه العزلة المرعبة كنت ألوذ به .أحتمي من هلعي وتهيؤاتي ....كنا وجهين لعملة واحدة . أبثه همومي ، أوجاعي ، لوا عجي ، حنيني إلى مكان مختلف ،قسوة ظروفي ،طموحاتي ،رغباتي ،أسراري ،أرائي ،أفكاري .
كم مرة جفلتُ من حركة مفاجئة في هذا الطريق الضيق المنحدر ،الطويل المحفوف بالمخاطر والأشجار المحروقة . طريق لا يسلكه ألا العسكر، عبدناه بأحذيتنا الثقيلة ،فتلبسني يأس شديد .أركله ، أحثه ليسرع ، فينخر بقوة ليهدأ روعي . ألح عليه ،يسرع قليلا متجاوزا لامبالاته ليخمد خوفي .أحس بحرارة جسده تتسرب أليَّ، تطرد برودة الخوف ،وقشعريرة الرهبة وأنا أضطجع على جسده خوفا ....أستكين وأضحك من فزعي لاحقا ،فينخر كأنما يشاركني فرحي ،يهنئني بالسلامة .
عصرا عدنا . كان يرمق الوادي ونحن نتسلق نحو الربية . يُبطئ ،يَتوقف ليستطلع المكان ،فأتلفتُ مرعوبا من مفاجأة غير مرغوبة قد تكون حواسه مكنته من إدراكها . في الاعلى رمق الوادي السحيق بنظرة فارغة .تطلع بي ونحن ننزل الحمل الثقيل .دخلت الملجأ لأستريح .جمعنا دفء النار....حينما سمعنا جلبة وحركة غريبة .خرجنا نركض ببنادقنا . كان المكان فارغا
قال الجندي الحرس :رمى بنفسه للوادي
قال أمر الحضيرة :الحمد لله وصلت الأرزاق .
لاحقا عرفت من سجل كبير في مقر الفوج :رقمه العسكري ،تاريخ السوق للخدمة ، التولد .
صرخت بجندي القلم مستغربا : أنك تقرأ صحيفتي .
///////////////////////////////