مكايدات
حينما كنت صغيرا في سن العاشرة وما بعدها حتى الرابعة عشرة كنت أذهب للسوق مع أبي ، نبيع الحبوب الزراعية من ذرة وقمح وفول وخلافه ، كان للسوق طعما رائعا من البهجة الممزوجة بالروح المصرية الشعبية الريفية الخالصة ، وبين مجموعة من التجار البسطاء على شاكلة أبي كنا نضع الفرش الخاص بنا ونفرش عليه جزأ من الحمولة التي أحضرناها للسوق ، ثم نبدأ في النداء على بضاعتنا والترويج لها بعدما نتناول جميعا إفطارنا معا ، كل التجار مشتركين في الإفطار البسيط والمكون من الطعمية الساخنة وبعض الجبن القديم وأرغفة خبز بلدي مع دوران أكواب الشاى وكل منا لديه (القلة ) التي يشرب منها وعلينا نحن الصغار أن نخدمهم ونحمل عنهم عناء تنظيف المكان وإحضار أكواب الشاى من عم محمد الشحات الذي يفترش ركنا من أركان السوق يضع فيه نصبته ويبني (الكانون ) الخص بالشاى والقهوة ، وحينما ينتهي الإفطار في السابعة صباحا كعادتنا كل سوق يبدأ توافد الزبائن على الفرش ، وهنا تسمع أغاني وأهازيج من أبي ورفاقه وكل يجود في أشعاره التي ترفع قيمة بضاعته على كل المعروض بالسوق ، وحينما تشتد المنافسة ويحمى وطيسها تجد كلمات الغزل في البضاعة لنفسها مجالا بديلا عن كلمات الترويج العادية ، وتنتهي هذه المنافسة بأقذع لفتات التريقة من الجميع على الجميع ويلتف الناس حول كل الفرش المتنافسة ، تنتهي البضاعة أو ينتهي وقت البيع والشراء بإزدياد حدة الشمس ولذا نلحق أنفسنا قبل صلاة الظهر لنلم ما فرشناه سابقا ونحمل البضاعة مرة أخرى على الحمير التي وضعناها بالوكالة بعدما أنزلنا حمولتها بالصباح ، وهنا فقط ندلف لوقت التحاسب فيحضر عم محمد بيان بالشاى والقهوة التي شربناها ونعطي لصاحب الوكالة قيمة إيجار مكان الحمار ، ثم تأتي ساعة التحاسب بين التجار أنفسهم وهنا أجد أن البضاعة كانت على المشاع اليوم وكل من باع شيئا يحسبه ويتم تجميع المباع ويقسم الربح بين الجميع بالتساوي .