فرحة وسط العاصفة
السّكون يلفّ الشرفة التي تطلّ على حديقة الحيّ والسّماء بالخارج تصبّ جام غضبها على المدينة التي تسبح في المياه والظّلمة منذ الصباح الباكر، عاصفة لم تترك شيئا إلّا وعاثت فيه فسادا تكاد تخترق الحيطان، شمعة لا يكاد نورها يُظهر الأشياء المحيطة بها رغم ذلك فهي ترقص غير مبالية بما يجري..
دنت من زوجها الغارق مع دخان السجائر المتصاعد على شاكلة أشباح تزيد من رعبها:
- مابكَ زوجي؟
- لا.. لا شيء..
- اتدري..
- ماذا؟
هل لديكَ الشّجاعة لتطلّقني..
انتفض من مكانه كالمجنون..
- ماذا تقولين؟
- هو قراري... تزوّجْ بأخرى ما دامت محاولات الإنجاب لم تفلح معي...
- لقد تزوّجتكِ عن محبّة، أنا أحبّك، لن أترُكك هل تفهمين؟
فجأة اخترق جدالهما صراخ متأتٍّ من بيت جارتهم التي تعيش وحيدة مع طفلها بعد وفاة زوجها، نزلا الدّرج وأسرعا الى البيت يتعثّران في الوحل، أشعل الزّوج مصباحا كان بيده، ذهلا من هول ما رأياه، الباب مفتوح على مصراعيه والمياه تندفع بقوّة داخله تغمر كلّ شيء وتكسّر ما يعترضها ولا شيء باد للعيان..
بكاء يخترق المكان اتّجها بسرعة نحوه، طفل محاصر في سرير قد رُفع عن الأرض مخافة الغرق، حملتْه الزّوجة بين أحضانها تتبع خطوات زوجها وبينما هما يتحسّسان طريقهما في اتجاه الباب اذ بساقيه ترتطمان بجسد ملقى بين الأنقاض، حاول انتشاله: اهت.. مّا .. بابني.. كانت تلك تمتمات أخيرة لفظتها الأم سرعان ما غدت اثرها جثّة بلا حراك..
بالقرب من ضوء الشّمعة ظلّت جالسة تحتضن الطفل حتى الصّباح، صعّدت نظرها الى زوجها فإذا بالدّمع يترقرق من عينيه، دنا منها واضعا يده على رأسها: مبارك علينا هبة الرّحمان