المركز التاسع مكرر قصة هروب 33.5 دررجة للكاتبة صالحة بورخيص/ تونس
هروب
الريح تعصف والرّعد يغمر دويّه الأرجاء والبرق يكاد نوره يخطف الأبصار، الكون يدثّره السّواد بثوبه الموحِش وترقص الأشباح على وتر الرّعب يحتلّ أعماقها..
غادرت ولكنّها لا تدري أين وجهتها، ملبّدة سماؤها، مهزومة ومنكسرة، هكذا هي حالها منذ أيّام ..
ينسكب القطر ويرمي بثقله على الشّجر والحجر والجماد والبشر وكلّ ما يعترضه من كائنات، الصّمت يضيق بأنفاسها يكبّلها تكبيلا، قلب مثخن بالأوجاع تجثو فوقه تمزّقه تمزيقا، كتلة هموم من الحجم الثقيل تسري سريان الدم في الشرايين، والوجع نكد والعذاب انصهار جمر يلقي بألسنته الحارقة على الأوردة فتغدو هباء، تُجمّدُ برودة الصّمت ثغرها ولطالما تمنّت الفرح يحلّ ببيْتها، يأتي به طفل يغمر قلبها بالأنس يعوّضها قسوة زوج لا مبالٍ يلعب بعقلها ويسخر من مشاعرها وقد ضحّت من أجله وتغاضت عن حالة العقم التي يعاني منها فلم ينفع الطبيب ولم تفد الأدوية، تمادى في خيانتها وباع حبّها لتفيض آخر قطرة صبر في الكأس..
خرجت تصادق الشتاء، وقد اختارت مواجهة العواصف بالعواصف، إنّها نتيجة طبيعيّة لتوتّرات صادمة جعلتْها تنسى حالة الطقس المزرية فعندما تموت المشاعر يصبح الإنسان كتلة لحم لا تنفع فيها حرارة ولا تسري الروح فيها..
الرياح ثائرة تضرب كلّ ما يعترضها والسّماء غاضبة تصبّ غيظها فوق رؤوس المارّين، تشتبك الأغصان وتتداخل لتتعرّى س/ تونسوءاتها فإذا برِداء البشاعة يلبسها..
لا تزال سائرة تتمتّع بأسلاك المطر الرخيّة غير مبالية بالحالة التي أصبحت عليها، أوقات موغِلة في الألم والصّور فيها لا تبدو جليّة فقد تجانست مع بعض تصرّفات جنونيّة تكاد تفقدها صوابها...
الطريق خال إلّا من بعض السيّارات وبعض الرّاجلين يركضون بسرعة فالمطريّات لم تفلح بحمايتهم، السماء أخفت كلّ أمل في الانفراج فلم تعد تكشف ضوءها ليستبدل بمصابيح لا يكاد نورها يبِين، صور تمرّ أمام عينيها مرّ السحاب وهي تلملم شتات الرّوح وتضمّد تعب النّفس..
أخيرا توقّفَتْ عند المنعطف حيث الحديقة العمومية التي سكنَتْها الوحشة وهرب الأنس منها،
شراسة الطقس لم تنسها شراسة طبع زوجها، لم تنسها القهر الذي تعانيه، لم تنسها جراح قلبها و عذاب روحها..
رفعتْ عينين أثقلهما قطر المطر وقطر الدّمع تتأمّل السماء تصبّ جام غضبها بدون رحمة، تمنّت لو تجرف العاصفة كلّ شيء علّ ذلك يخفّف من وطأة نقمتها، المياه تتدرّج رخيّة من رأسها حتى قدميْها سرعان ما استأنست بها فأسندت ظهرها الى الكرسي وأرخت جسدا منهكا تركتْه للأقدار تلعب به