همستُ إلى البحر: ها أنا أفي بوعدي إليها، لكنني جئتك وحيدا دونها؛ فهي أشعلت نيران الهجر بكل شيء... ركبتُ ’’ البدال ’’ الذي حددته مسبقا، و دخلت إلى عمق يساوي عمق اشتياقي لها... استحضرتُ عينيها التي أنظر بهما للحياة، و بدأت البكاء، و باللحظة التي فررتُ فيها من صمتي، و بدأت الحديث إليها طالبتها بالسماح، ليس لذنب اقترفته؛ لكن لأنني وعدتها عندما أكون بهذا المقامِ لن أنطق بكلمة واحدة، بل سأتركُ لعيني مجال الاغتسال من عُمرٍ قضيته دونها، و لما زادتْ صرخاتي و لم أجدُ لدمعي قطرة ماء بجسدي، تجسدتْ أمامي الكلمة عارية من نضارتها، فمنعني حيائي النظر إليها... رجعتُ للشاطئ فوجدتُ أن البحر قد لفظَ جثمانها... تعرفتُ عليها بصعوبة...أخذتُ أبحث هنا و هناك عن أداة تحملها إلى مثواها الأخير فلم أجد... عدتُ أجلس فوق رأسها، انتظرتُ كثيرا أن تستعيد عيني شيئا من دموعها، و عندما أدركتُ ألّا فائدة، حملتها و ألقيتها بالبحر، حينها تحولت سريعا إلى مركب ورقية كما التي يصنعها الصغار.. أعادها الموج إلىَّ ذائبة ... صرخ الطفل الذي بداخلي و انفرطتْ دموعه سريعا من جديدٍ على لعبته.