بعدَ أيامٍ مِن عزوفِ الغيوم البيضاء المُتلاحِكة عن طرحِ ما تحمله، تساقطتْ بكلِّ هدوءٍ، صَمْتٌ يسودُ القريةَ واللَّونُ الأبيض يتسيّدُ الطرقاتَ ويعتلي الأكواخَ ويبتلع كل الألوان ليهبها النقاء ويمنحها الجمال. الشيوخ بالقربِ مِن المواقدِ يُمارِسون طقوس السُبات والأطفال يلهون بينهم ويتقاذفون كرات صنعوها ورجل الثلج ينتصبُ بينهم بكل زهوِّ، والكبار لا يخرجون إلّا لأمرٍ هام.
الجبالُ القريبة ارتَدَتْ حلَّتها والأشجارُ توشَّحَتْ به، حتى القطار القادم مِن المدينةِ اقتبسَ سقف عرباته لون الطبيعة المحيطة بالمكان.
غرابٌ وحيد ينعقُ على شجرة عارية، لكن ريح قوية تطردهُ بعيدًا، مُنبِئة بمطرٍ قريب قادم سيعيد الأمور إلى نصابها، ليرتّب كل شيء مِن جديد، لتتلوَّن الأشياء بألوانها وليُعاد التنوّع وليعمّ التميّز بعد أن وحِّدَهم بياض الثلج ونصاعته وأخفى الكثير من عيوبهم، وستجرفُ السيولُ الثلجَ، ليصبّ في تلك البحيرة التي ستحتضن المزيد مِن المياهِ.