إن جئتُ في زمن الخطأ، أوجئت في زمن الصواب، لا يهمّ..المهمّ أني وجِدتُ نفسي كائنا بين كيانات عديدة، ليَ جسم.. و اسم.. و ظل.. طويتُ من سنين العمر خمسين صفحة من كتابي ، ما تراها دوّنتْ تلك الصفحات التي طويتْ ؟ هل تراها قطعت من روحي جزءًا؟ أم تراها نحتتْ تفاصيل حياتي و تلاشتْ ؟ أم تراها في خفايا عقلي تأمرُ وتطاعُ ؟.. أبحرتُ بخيالي في كتابي ، بلا ريح تحملني، ولا شراع..
سمعت الطرق على الباب بلطف، قفز القلب قبل أن أفتح بابي، علّه الطرق حرّك فيه حنينا لِمَنْ تلحّف بالغياب ، وارتجفتُ، كصغيرٍ هزّهُ الخوفُ قبل أن أعرف من يكون، لكنّ عطرها مازال لا يؤمن بالحواجز ، و الحدود .. فتحتُ الباب ..رأيتها تقفز من بين الصفحات كفراشة هزّها وجد الربيع. قلت لعلّ العمر أحمله لوحدي، وهي مازالت منذ عشرين سنة ، لم تتغيّر، ابتسامتها التي تعلن دوما كلّما ابتسمتْ، فصلا جديدا للربيع، وجسدها منحوتة خالدة من زمان الفن البديع . مابال هذا الشيب يذكّرني كلّما مرّ عام ، واقتربت بي الخطى لنهايات الطريق ، أنّه لم يعد للعمر طعم، و الذي مازلتُ أرقبه بقايا من حياة...
سحبتْ من خلفها باقة ورد، كأنّها جمعتْ فيها أجمل ورد في الوجود، كتبتْ في ورقة مزروعة فيها: كلّ عام لك في الكون سعادة ، وأمل. و رأيت في العيون الحالمة قولا جميلا: لا تحاول جعل روحك تحفة في متحف ذكرياتك، تصقلها كلّما مرّ عام من حياتك، أجعل العمر كموج البحر يتجدد ، كسحاب ساقه الريح لأرض بعيدة، فانتشى، فروى. أجعل الروح كطير كلّما جاء الربيع أطرب الكون بألحان جديدة.
انتهى الحفل يا رفاقي ، يا شمعتي اليتيمة في مجلسي، و صورها المبعثرة في كل ركن، و وحدتي، واشتياقي.