المركز الخامس مكرر قصة صرخات مكممة 35.5 درجة للكاتب بهاء محمود / مصر
صرخات مكممة
يمشي في سكون تسحبه عصاه ، يحتمي من برودة الدنيا بسواد الليل البهيم الذي يعيش فيه ، خطواته وئيدة كأنه لا يريد أن يعكر صفو هذا السكون الذي يحتلّ الطرقات ، لا يسمع إلا أنين خطواته المثقلة .
بعد فترة من السكون الجنائزي شجت أذنيه صرخة و كأنها استغاثة فتاة ، استرقّ السمع و هو يخشى أن يراه أحد المارة و هو يسمع ،
هل هذا صوت فتاة ؟ هل ما سمعه استغاثة ؟ لم يجب على الأسئلة إلا صرخة ثانية !! و ثالثة ! سحبته عصاه اتجاه الصوت و قدماه تجره للخلف ، كلما اقترب من مصدر الصوت ازداد الصوت حدة و علوا و يصاحبه ضجيج مكمم كأنه ضحكات جمهور مسرح درامي ، اقتربت عصاه رويدا رويدا و هو خلفها ، ازداد الصوت و ازداد اقترابا .
صوت يشرخ الضجيج : هي المخطئة ، لماذا تخرج في سواد الليل ؟
صوت آخر : ( إذا سمحت يا أخي ثبّت رأسك أريد أن أشاهد )
أصوات و أصوات و همهمات غير مسموعة ، و لا مفهومة ! كل ما يستبينه صرخات الفتاة ، و استغاثتها التي ترتد إليها ،
استمرت العصاة في التقدم نحو صوت الفتاة ، و هو مكبلا بها فلا اختيار له بعد صمت عينيه إلا المضي قدما خلفها ، فقد عاش عمره وراءها ،
و مع ارتفاع الصوت و علو الهمهمات ، اصطدمت العصاة بكتلة بشرية يخرج من تحتها الصرخات ، فطاحت و طاح معها ، اصطدمت يده المرتعشة بوجه غليظ لرجل غليظ ، أو ربما لرجلين أو ثلاثة ، و تلطّخت يده الأخرى بدم
صرخت الفتاة مرتين و صرخ هو ، استند إلى العصاة لعلها توقفه ،
و عندما استقام واقفا جاءه صوت من كومة اللحم المكدسة : بيده عصاه فلنهرب سريعا
توقفت الهمهمات و صوت الفتاة لم ينقطع ، و لم يوقفه إلا صوت الأجراس الأمنية ، و انصرف الجمهور إلا اثنين أشاروا بأصابعهم إليه ، هذا هو و اسألوا الفتاة ، و قالت الفتاة نعم إنه صاحب العصاة ، دفعوه إلى المركبة بعد أن كمموا عينه المكممة ، ركب المركبة و بقيت العصاة العمياء على الأرض ممددة بجوار الصمت ، تحركت المركبة و صفّق الجمهور