الصامتون
لاحظ في الأيام الأخيرة تبدل أحوال الشارع وعودة الحزن والغضب والألم ليظهر على كل الوجوه. وصل إلى عمله الحكومي الحقير ليسأل بقية زملائه الذين قضى معهم الخمس وثلاثين عاما الأخيرة من عمره. زهرة شبابه ورجولته ومطلع كهولته. سألهم عما يدور في البلد. كان الأكثر غضبا أصغرهم عمرا والذي لم يبلغ الخمسين بعد. صاح فيه متهكما:
هل أنت من بلد آخر؟ أم ترى السيد الوالد قد ترك لك أموالا في البنوك وأراضي وسيارت ونحن لا نعرف. كل شيء يسير من سيء لأسوأ. هرب اللصوص بأموالنا بل وتم تعيينهم وزراء في الحكومات. احتلوا الوظائف القيادية في الشركات والوزارات. قسموا ثروة البلد بينهم.
ابتسم هو الآخر ساخرا منه:
مالي أراك غاضبا هكذا؟ أليست هذه نتائج ثورتكم على النظام القديم. اشربوا.
دار هرج ومرج انتهى بصمت مطبق بعد أن وصل الفَرَّاش الذي يعرف الجميع أنه عين المدير ويعرف البعض أنه عين الأمن.
تبادلوا مدح أحوال البلاد وشكر الحاكم على قيادته العبقرية الفريدة للوطن حتى وصل به إلى بر الأمان.
خرج الفراش وبحث كل منهم عما تبقى من كرامته المبعثرة في كل مكان.