ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻚ.. بقلم الكاتب المصري إيهاب بديوي- مجلة نجوم الأدب والشعر

ﺗﺮﺍﻗﺼﺖ ﺍﻟﻨﻐﻤﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻣﺘﺴﻠﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻤﺎﻗﻪ ﺗﺘﻐﻠﻐﻞ ﻓﻲ ﺃﺭﺟﺎﺋﻪ ﺣﺘﻰ
ﺗﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﺍﻟﻬﺰﺍﺯ ﻓﺘﺤﺮﻛﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺤﺮﻙ ﺃﻳﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺟﺴﺪﻩ ﺳﺎﻛﻨﺎ.
ﺃﻏﻤﺾ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻭﻣﺪ ﻳﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺎﺭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻟﻴﻀﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﻀﺪﺓ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺁﻟﻴﺔ.
ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﻀﺪﺓ ﺟﺎﻭﺭﺗﻪ ﺭﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﻼﺛﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ .
ﺗُﺮﻯ؟ ﻗﺪ ﻣﺮﺕ ﺛﻼﺛﻮﻥ ﻋﺎﻣﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺁﺧﺮ ﻟﻘﺎﺀ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ. ﻓﺘﺢ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺼﺪﻕ
ﻧﺎﻇﺮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻊ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺗﻮﺍﺟﻬﻪ.
ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻭﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺧﺼﻠﺔ ﺑﻴﻀﺎﺀ ﻓﺮﺕ ﻣﻦ ﻣﺨﺪﻋﻬﺎ ﻭﺳﻘﻄﺖ ﺃﻣﺎﻡ
ﺑﺼﺮﻩ ﺃﻛﺪﺕ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
ﺇﺫﻥ ﻫﻲ ﺛﻼﺛﻮﻥ ﻋﺎﻣﺎ ﻗﺪ ﻣﺮﺕ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻠﻘﺎﺀ ﺍﻷﺧﻴﺮ! ﻣﺪ ﻳﺪﻩ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ
ﺳﺠﺎﺋﺮﻩ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪﻫﺎ . ﻫﻢَّ ﺑﺎﻟﻮﻗﻮﻑ ﻟﻮﻻ ﺃﻥ ﺗﺬﻛﺮ ﺃﻧﻪ ﺃﻗﻠﻊ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺪﺧﻴﻦ ﺑﺄﻣﺮ ﺍﻟﻄﺒﻴﺐ
ﻣﻨﺬ ﻣﺪﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺣﺮﺻًﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻪ ﺍﻟﻮﺍﻫﻦ .
ﺇﻧﻪ ﻳﻌﻮﺩ ﺑﻜﻴﺎﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ. ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﺵ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻤﺮﻩ ﻛﻠﻪ
ﻭﺗﺠﻤﻌﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﻣﺬﺍﻗﺎﺕ ﺍﻟﺤﻼﻭﺓ ﻭﺃﺣﺎﺳﻴﺲ ﺍﻟﻨﺸﻮﺓ ﻭﺍﻷﺣﻼﻡ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ.
ﺃﺧﺬ ﻧﻔﺴًﺎ ﻋﻤﻴﻘًﺎ ﻳﺴﺘﻘﻞ ﻧﺴﻤﺎﺗﻪ ﺭﺍﺣﻠًﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎﻗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ .
ﻛﺎﻥ ﺳﺒﺘًﺎ ﺣﻴﻦ ﺳﺎﺭ ﻣﻌﻬﺎ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ . ﻓﺘﺤﺖ ﻟﻪ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻭﺣﺪﺛﺘﻪ ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ.
ﺛﻢ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺪًﺍ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺪﺛﻬﺎ ﻫﻮ ﺍﻵﺧﺮ ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ.
ﺿﻐﻂ ﻋﻠﻰ ﺫﺍﻛﺮﺗﻪ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻹﺛﻨﻴﻦ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻜﺎﻥ . ﺍﻧﺘﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﻼﺛﺎﺀ.
ﺇﻧﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻈﺮﺕ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ . ﺣﻴﻦ ﻣﺪﺕ ﻳﺪﻫﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺗﺪﻋﻮﻩ ﺇﻟﻰ
ﺑﺴﻄﻬﺎ ﻟﻠﺮﺣﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻷﺣﻼﻡ. ﻳﺬﻛﺮﻫﺎ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ ﺍﻵﻥ . ﻣﺪ ﻳﺪﻩ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﺃﺣﺲ ﺑﻬﺎ
ﺗﻤﺴﻚ ﺑﻬﻤﺎ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﻬﻮﻯ. ﻛﺎﻥ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺍﻷﻭﻝ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ. ﻧﺒﻀﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﺘﻲ
ﻫﺰﺕ ﻛﻴﺎﻧﻪ ﻭﺗﺮﺩﺩ ﺻﺪﺍﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ. ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺪﻭﻳِّﻬﺎ ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﺗﺤﺪﺙ
ﺍﻵﻥ.
ﻋﺎﺩ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﺇﻧﺴﺎﻧًﺎ ﺁﺧﺮ . ﺛﺎﺋﺮًﺍ ﺳﺎﺧﻄًﺎ ﻓﺮﺣًﺎ ﻣﻨﺘﺸﻴًﺎ. ﻋﺎﺩ ﻟﻴﺮﺗﻄﻢ
ﺑﺎﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺮﻳﺮ. ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻘﻮﻯ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻠﻄﺎﻥ
ﺍﻟﻨﻮﻡ. ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺸﻌﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻧﻪ ﺳﺠﻴﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻱ ...
ﻣﺪ ﻳﺪﻩ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﻋﺼﺒﻴﺔ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺷﻲﺀ ﻣﺎ . ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﻳﻔﺘﺢ ﻋﻴﻨﻴﻪ . ﻟﻢ
ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﻳﻐﺎﺩﺭ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﻛﺮﻳﺎﺕ.
ﻋﺎﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺑﻌﺎﺀ.. ﺍﺭﺗﻔﻌﺖ ﻧﺒﻀﺎﺕ ﻗﻠﺒﻪ ﻭﺗﻼﺣﻘﺖ ﺃﻧﻔﺎﺳﻪ. ﻟﻘﺪ ﺑﺪﺃﺕ ﺁﻻﻣﻪ ﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ
ﺍﻟﻴﻮﻡ. ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﺮﻑ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺠﺰﻩ. ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﺮﻕ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﺭﺍﺩﺗﻪ
ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﺮﻙ. ﻟﻘﺪ ﺟﺎﺀﺗﻪ ﺗﺮﺟﻮﻩ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﺷﻴﺌﺎ. ﺃﺧﺬ ﻳﻨﻈﺮﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ
ﺷﺮﻭﺩ. ﻇﻨﺖ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻬﺮﺏ ﻣﻨﻬﺎ. ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﺃﺻﻴﺐ ﺑﺄﻭﻝ ﺃﺯﻣﺔ ﻗﻠﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ.
ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺟﺴﺪﻩ ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻤﻞ.
ﺛﻢ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺨﻤﻴﺲ. ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻮﺩﺍﻉ. ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻛُﻠِّﻴﺘﻪ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ. ﺃﺩﻯ
ﺍﻣﺘﺤﺎﻧﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ. ﺟﺎﺀﺗﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺗﻮﺩﻋﻪ ﻷﻧﻬﺎ ﺭﺍﺣﻠﺔ. ﻟﻢ ﻳﻨﺒﺲ
ﺑﻜﻠﻤﺔ. ﺧﺮﺟﺖ . ﻭﺧﺮﺝ ﻫﻮ ﺧﻠﻔﻬﺎ.
ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻟﺸﻲﺀ ﻗﻴﻤﺔ. ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻟﻠﻮﺟﻮﺩ ﻣﻌﻨﻰ. ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺬﻭﻕ ﺃﻱ ﻃﻌﻢ.
ﺧﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺰﻟﻪ . ﺟﻠﺲ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﻓﺘﻪ. ﺗﺴﻠﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺎﻣﻌﻪ ﺻﻮﺗﺴﻴﺪﺓ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻓﻲ
ﻣﺬﻳﺎﻉ ﺍﻟﻤﻘﻬﻰ ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ:
ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻨﻚ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻋﺬﺍﺏ ....
ﺍﻫﺘﺰ ﺟﺴﺪﻩ ﻛﻠﻪ. ﻓﺘﺢ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺭ ﺩﻣﻌﺔ ﺣﺎﺭﻗﺔ.
ﻛﺎﻥ ﺟﺴﺪﻩ ﻗﻮﻳﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺭﻏﻢ ﺿﻌﻒ ﻭﺃﻧﻴﻦ ﺍﻟﻔﺆﺍﺩ. ﺗﺤﻤّﻞ. ﺳﺎﺭﺕ ﺣﻴﺎﺗﻪ.
ﺛﻼﺛﻮﻥ ﻋﺎﻣًﺎ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ. ﻛﻴﻒ ﻣﺮَّﺕ؟
ﻋﺎﺩﺕ ﺍﻟﺪﻣﻌﺔ ﺍﻟﺤﺎﺭﻗﺔ ﻟﺘﻬﺮﺏ ﻣﻦ ﺟﺤﻴﻢ ﺍﻟﺬﻛﺮﻳﺎﺕ. ﺗﺴﺎﺭﻋﺖ ﻧﺒﻀﺎﺕ ﺍﻟﻘﻠﺐ
ﺍﻟﻀﻌﻴﻒ ﺍﻟﺜﺎﺋﺮ. ﻭﻫَﻦ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺍﻟﻘﻮﻱ. ﻏﺎﺑﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ.
ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ ﺍﻟﻜﺮﺳﻲ ﻓﻲ ﺍﻻﻫﺘﺰﺍﺯ