مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
مجلة نجوم الأدب و الشعر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجلة نجوم الأدب و الشعر

أدبي ثقافي فني إخباري
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المركز السادس مكرر قصة "إيلان" و البحر 49.5 درجة للكاتبة حسناء البستاني / المغرب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سوزان عبدالقادر




عدد المساهمات : 11030
تاريخ التسجيل : 12/09/2015

المركز السادس مكرر قصة "إيلان" و البحر 49.5 درجة للكاتبة حسناء البستاني / المغرب Empty
مُساهمةموضوع: المركز السادس مكرر قصة "إيلان" و البحر 49.5 درجة للكاتبة حسناء البستاني / المغرب   المركز السادس مكرر قصة "إيلان" و البحر 49.5 درجة للكاتبة حسناء البستاني / المغرب I_icon_minitimeالسبت أبريل 23, 2016 7:48 am

"إيلان" و البحر
كانت هذه ثالث ليلة تعيشها القرية تحت القصف، ليلة من الرعب و الفزع تنضاف إلى ذاكرة الأهالي كبارا و صغارا، كان القصف يبتدأ من منتصف الليل و يستمر حتى الساعات الأولى من الصباح، لا صوت يعلو فوق دوي القنابل و لا ضوء غير ضوء النيران المشتعلة في المنازل المقصوفة و ضوء حزين ينبعث من القمر...
أقبل الصباح على القرية بأشعة شمس خجولة، تسربت وسط الدخان الكثيف لتبعث الدفء و الطمأنينة في النفوس لكنها لم تجد سوى الخراب و الصمت الرهيب تماما كالذي يلي العواصف و الأعاصير، و الناس بين قتيل غارق في دمائه، و جريح يستعصي عليه الصراخ يئن تحت وطأة الأحجار و صخور الإسمنت، و سليم الجسد روحه تنزف ألما من بشاعة ما يرى و هول ما يفقد... لم يكن هناك سوى أمران يترددان في ذهن من نجا من القصف، كل أمر منهما أسوأ من الآخر: البقاء في القرية و انتظار الموت، أو الهروب إلى المجهول و مصارعة الحياة.
كان والد إيلان رجلا شهما أصيلا يستحيل أن يتخلى عن أرضه أو يفكر في الرحيل، كان يرى نفسه كزرع أو شجرة لا يمكن أن تنمو أو تثمر بغير ماء القرية و هوائها وشمسها، فالرحيل هو قص لجذوره الضاربة في أعماق الأرض... هو طمس لتاريخه وحاضره.. هو محو لهويته... هو الشرب من كأس الذل و المهانة بعد ما كان يسقي الناس كؤوس العزة و الكرامة... و لكن أمر البقاء في القرية لم يعد بيده، حياته ليست ملكه وحده حتى يتصرف فيها كما يشاء، إنه زوج و أب، أبوته علمته أن الشجاعة ليست دائما في المواجهة، بل أحيانا تكون في الهروب حفاظا على أمن و سلامة من نحب...
"إن لم يكن هذا الرحيل من أجلنا فمن أجل أن يعيش إيلان بسلام" هكذا أقنعته أم إيلان و هي تضم إيلان إلى صدرها بقوة حتى لا يرى دموعها ولا يحس بجسمها و هو ينتفض من الفزع ...
أخذ والدا إيلان يستعدان للرحيل فأصيبا بالحيرة... ماذا سيأخذان من الأغراض لسفر بعيد و ربما بلا عودة، بدأ يمشيان في البيت كتائهين... يأخذان الأشياء، يتفحصانها ثم يرجعانها مكانها، يدخلان الغرف و يخرجان منها و كلاهما يحبس دموعه خشية أن لا يتحمل الآخر رؤيتها... ما أصعب أن يكون الإنسان مضطرا لكي يرحل في لحظات، يرحل و يترك جزءا منه خلفه، يرحل و يترك تاريخه كله وراءه... و هل يساوي الإنسان شيئا دون تاريخه... ! كان الصندوق الخشبي الموضوع في غرفة النوم هي النقطة التي أفاضت نهرا من الدموع من عيني أم إيلان، فقد كان هدية من والدها يوم زفافها، لم تكن الحلي و الجواهر أغلى ما فيه، فقد كانت تحتفظ فيه بكل شيء أهداه لها والد إيلان قبل الزواج، ملابسها الجميلة و عطرها المفضل، زهور جافة تشهد قصة حبهما، مناديل مطرزة بخيوط ذهبية و فضية تحمل اسميهما، صور الطفولة و الزفاف و صور أسرتها الكبيرة و الصغيرة، ملابس إيلان عندما كان رضيعا خبأتها من أجل مولودها الثاني، و أشياء أخرى تحبها... تأملت الصندوق بعينين باكيتين كمن يودع شخصا عزيزا و الحسرة تملأ قلبها لعجزها عن أخذه. أما زوجها فقد وقف مصدوما ينظر إلى الكراسي الخشبية التي صنعها بيديه مزينا بها غرفة الجلوس، و الجدران التي صبغها منذ شهر بإتقان، و أصص الشتائل التي نمت و أزهرت و لم يبق على ثمارها شيئا كثيرا... كان يحب عمل كل شيء بيديه حتى يترك بصمته في كل مكان... تحجرت دموعه و اشتد غضبه تمنى لو يملك القوة لكي يقف في وجه العدو و يحارب بدل الهروب، تمنى لو كان بوسعه الدفاع عن كل ما يملك حتى الموت، تمنى أن يسقط شهيدا و يروي الأرض بدمائه الزكية بدل الاغتراب.
حاول الوالدان بكل جهد إخفاء حسرتهما و دموعهما عن إيلان حتى يمتصا خوفه فجعلاه يحس بغير قليل من الأمان، أخبروه أنهم سيغادرون القرية إلى مكان آخر يلعب فيه الأطفال متى شاءوا دون خوف أو فزع، إلى مكان لا تحلق فيه الطائرات التي ترمي الناس بالنيران.. و كم كانت دهشة إيلان كبيرة حين علم أن السفر سيكون عبر البحر في باخرة كبيرة.
كان الذهاب إلى البحر بالنسبة لإيلان حلما كبيرا، طالما ألح على والدته أن تحققه فكانت تعتذر في كل مرة بكونه بعيدا عن القرية، لم يكن يتصور أنه سيتحقق... سيرى البحر قريبا و ستداعب الأمواج الزرقاء رجليه الصغيرتين حاملة في طياتها أسماكا ملونة، أسماكا حقيقية حية تسبح بخفة و رشاقة و هو يحاول الإمساك بها... سيلعب بالرمال الذهبية و يصنع منها قصورا يزينها بالأصداف، و يبني بالأحجار منازل بدل التي هدمها القصف في القرية، و البحر فيه سفن كثيرة قد شاهدها في التلفاز، سيركب زورقا أو سفينة شراعية، يصعد إلى سطحها و يطلق ذراعيه الصغيرتين للرياح تقودهما أينما اتجهت... هكذا خيل إليه و هو ينتظر بفارغ الصبر والداه أن يتمما جمع الأغراض.
الوقت كالسيف، لا يمهل و لا يجامل أحدا، هذا ما انتبه إليه والدا إيلان فقررا المغادرة بأقصى سرعة و ترك كل شيء في مكانه، لم يأخذا معهما سوى مفتاح منزلهما عساهما يعودان إليه يوما، و كل ما يملكان من نقود ، حتى البطائق التي تثبت هويتهما استغنيا عن أخذها فقد صارت مجرد أوراق و لا معنى لها بعد الآن...
كان خروجهما من المنزل أمرا صعبا، يكاد يشبه خروج الروح من الجسد... أما إيلان فكان فكره شاردا، ينظر بين الحين و الآخر إلى أمه نظرة عتاب لأنها لم تفكر يوما قبل الآن أن تشتري له لباسا خاصا بالبحر...
وصلت الأسرة أخيرا إلى المكان الذي تتم عبره الهجرة، وصلوا منهكين، قد أثقلتهم الهموم و الأفكار و الهواجس... كان على مقربة من البحر، يموج بالناس، جاءوا من أماكن مختلفة، كبارا و صغارا، نساء و رجالا، تجمعهم الرغبة في الرحيل و الهروب من وطن قاس، لم يرحم ضعيفا و لم يعطف على صغير و لم يشفق على مريض، وطن راعيه يتآمر مع الذئب لكي يفترس الخرفان.. و أمينه يطمع حتى في مال الأيتام.. و حاميه يأسر النساء و الصبيان.. جاءوا يدفعون مبالغ مالية ضخمة لشراء امل في الحياة.. شراء مكان في قارب من قوارب الموت عساه يرسو بهم على شاطئ الحياة!
بينما الوالدان يتحاوران، كانت رأس إيلان ممتلئة بالعديد من التساؤلات، من شدة صدمته لم يستطع الإفصاح عنها: أهذا هو البحر...! أين الرمال الذهبية إذن و الأصداف! ثم البحر لونه أزرق جميل وشفاف تبدو الأسماك تحته بوضوح و هي تسبح، أما هذا فلونه رمادي داكن! إنه مخيف! ! لا يمكن للأسماك أن تعيش هنا... ! ما هذه القوارب البالية... ليست لها أشرعة كالتي رأيتها في التلفاز... ! بقي يحدث نفسه طويلا قبل أن ينطق: "لقد ضللنا الطريق يا أمي، ليس هذا هو البحر! ! ! "
انطلق القارب ليلا، و قد كان القمر غائبا فانعكست ظلمة السماء على البحر ليبدو مظلما هو الآخر، كان مثقلا بالمئات من الناس فبدت جوانبه كأنها تغرق في الماء منذ انطلاقه... كان منظرا رهيبا و مروعا! ! !
الخوف سيد المكان، الكل صامت يترقب ما سيحدث... الأجساد ترتجف من البرد القارس و القلوب تنبض على إيقاعات أنين الرياح و صوت الأمواج و هي ترتطم بالقارب.
مرت ساعة كأنها الدهر كله... القارب متوغل في عرض البحر وسط الظلام الشديد.. فجأة زادت قوة الرياح و شدتها... ارتفعت الأمواج أكثر فأكثر.. اشتبكت الأيادي وأمسك الناس ببعضهم البعض بقوة و الماء يحول بينهم.. علا الصراخ و كثرت الصيحات و تُليت الصلوات.. وانهمرت الدموع.. وارتجفت القلوب موقنة بأنها النهاية... !
الأمواج بجبروتها لم تستطع أن تفرق إيلان عن أبويه.. مازال في حضن أمه، يمسك بثيابها المبللة و هي تحتضنه بكل ما اوتيت من قوة و هو يصرخ: "لا أريد البحر يا أمي... ! لا أريد البحر.. ! لا أريد...........
وغرق القارب بمن فيه.
جاء الصباح يفوح برائحة الموت، حاملا معه الاسى و الحزن على من غرقوا بالأمس، على من كانوا قريبا ينعمون بالدفء في بيوتهم فأمسوا جثثا هامدة في عرض البحر... ! لقد غرق قبلهم كثير.. و سيغرق بعدهم اكثر.. و سيُقصفون و يُعذبون ما بقي الظلم، هذا المرض الخبيث الذي ينتشر في كل بقاع الأرض...ينقل عدواه من مكان لآخر دون أيما رادع... لكن الحزن الأكبر ليس على موت هؤلاء، لأنهم قد ارتاحوا.. إنما الحزن على من بقي حيا وسط العذاب، يموت في اليوم مئة مرة و تبقى روحه في جسده.. الحزن على موت الإنسانية و الكرامة و موت ضمائر الظالمين و الساكتين عن الحق...
سيظل الصبح يأتي بنوره الساطع ليبعث في أنفسنا الأمل في حياة أفضل، حياة يملأها العدل و الحق و الكرامة..
سيظل الصبح يأتي ليذكرنا دائما و يردد أبدا :
بأي ذنب غرق إيلان ؟ و بأي ذنب يقتل الأبرياء؟
:::::::::::::::::::::::::::::
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المركز السادس مكرر قصة "إيلان" و البحر 49.5 درجة للكاتبة حسناء البستاني / المغرب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المركز الثالث مكرر بمسابقة مجلة نجوم الأدب والشعر لشهر فبراير 2016..قصة من يُؤمِّنْ لي شهْقة العوْدة؟ 37.5 درجة للكاتبة حسناء محمد علي / المغرب من يُؤمِّنْ لي شهْقة العوْدة؟
» المركز السادس مكرر قصة إنجذاب 47,5 درجة للكاتبة أمال عبد الحفيظ/ الجزائر
» المركز السادس مكرر بمسابقة مجلة نجوم الأدب والشعر دورة مارس 2016 قصيدة جنة 52.2 درجة للشاعر المصطفي الصغوسي / المغرب
» المركز السادس مكرر قصة قصيرة بمسابقة مجلة نجوم الأدب والشعر لشهر فبراير 2016- قصة عقول هاوية 35 درجة للكاتبة زينب محمد/ مصر
» المركز السادس مكرر قصة وهم 49.5 درجة للكاتب أحمد باشا / سوريا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مجلة نجوم الأدب و الشعر :: ﻧﺎﺋﺐ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻭﻣﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﺠﻠﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻱ سوزان عبدالقادر :: المسابقات-
انتقل الى: