زخارف.. بقلم الكاتب المصري إيهاب بديوي ـ مجلة نجوم الأدب والشعر

زخارف
تأمل في الفسيفساء المنمنمة التي تتنقل بين الجدران الصغيرة المكونة لغرفة الإنتظار العبقة برائحة التاريخ. تابع خيوطا ذهبية تتألق بين الحبيبات الصغيرة لتتجمع على سقف مرسوم بروح حية يجسد الصراع الأبدي بين الخير والشر. طفل صغير عاري يبدو أن حبة فسيفساء قد سقطت عند عينيه فبدا غاضبا شاحبا. تكتمل الصورة الدائرية برجل نصف عار يوجه سهما يقطر دما إلى قلب امرأة عارية تحاول حماية الصغير. ويلتف حول الجميع ثعبان عظيم تراوحت ألةانه بين الأبيض والأسود والأحمر والبني. يفتح فما عملاقا له أنياب مخيفة يريد التهام عجوز قادم على عجل في خلفية الصورة يحمل غصن زيتون. بينما في الطرف الأخير من السقف تشرق من خلف الغيوم شمس وليدة ترسل نورا مترددا يسعى كائن خرافي له حراشف كبيرة وذيل حاد النهاية وعضلات بارزة لمنعه بالقوة.
عاد من رحلته لاهثا متعبا عبر شلال في نهاية منحدر صخري تجري فيه مياه سريعة تقفز إلى عمق بحيرة صغيرة اكتشف أنه يقف وسطها تماما.
أخذ نفسا عميقا ثم تبع خادما أخذه عبر ممر يتوسط الحديقة شبه المهملة والتي يتوسطها تمثال برونزي لامرأة غاضبة عارية تقزف بكرة نارية في اتجاه القصر. ارتفع بصره إلى الباب الخشبي العملاق وتبع صوت صريره العنيف وهو يفتح بهدوء. دخل تسبقه تساؤلات لا تنتهي. جلس في بهو قريب يتأمل الظلال التي تعكسها النوافذ المفتوحة جزئيا والتي تكاد تغلقها ستائر حريرية ثقيلة. بعد قليله جاءته سيدة القصر مرتكزة على عصا عتيقة ولكنها تبدو أنيقة فاخرة. جلست أمامه في غضب وهي تشعل سيجارا لم يرى مثله من قبل. في هدوء وقليل من الرهبة أخبرها أن معه أمر من المحكمة بوجوب المثول أمامها بعد أسبوع. جن جنونها وأخذت تصرخ في صورة ضخمة لشخص تبدو عليه الهيبة والوقار تملأ الجدار المقابل: يريدون طردي من القصر. هل رأيت. بعد كل هذه السنوات تريد بلادك التي كنت من أكبر رجالها ومت مدافعا عن أرضها أن يرموني في دار للمسنين ليسرقوا قصرنا. هذا القصر الذي بنيناه معا بعرقنا وحبنا وضحينا من أجله بكل شيء. حتى ابنك الوحيد ذهب مدافعا عن بلد تريد الآن أن تطردني. انهارت وكادت أن تسقط فقام يحاول مساعدتها. نهرته بعنف بعد أن تماسكت وطلبت منه الخروج من المنزل فورا.
تركها ثائرة وقد رق لحالها وبهر بهذا الفن العبقري القابع وسط غابة اسمنتية قبيحة يقاوم وحده قوى ظلامية طغت على الجمال في هذا الوطن.