ــــــــ
الحلقة الثالثة
ــــــ
لحسن حظي وجدتُ الطبيب الشرعي موجودا،فصافحته وقدَّمتُ له نفسي.فصافحني بحرارة وأدخلني إلى مكتبه.كان الطبيب في العقد السادس من عمره.نحيف الجسم،جاحظ العينين لكنه كان يمتازباللطافة والبشاشة.فطلبتُ منه أن يعطيني بعض المعلومات عن تقرير التشريح.فأخذ يبحث بين الملفات الموضوعة على مكتبه حتى عثر على الملف المنشود وفتحه وأخذ يتصفحه.وبعد برهة أغلق الملف ووجّهَ كلامه إلي قائلا:
ـ لقد مرَّ ثلاثة أيام على الجريمة...وقد أودعناها في مستودع الأموات وحسب ما توصلنا إليه فالضحية لم تمت باستنشاقها للغاز...فهناك نافذة المرحاض التي وجدوها مفتوحة ثم مسألة أخرى وهي أننا لم نجد آثار الغاز في رئتيها مما يعني أن الضحية تعرضت للخنق قبل أن يعمَّ الغاز الشقة...
فسألته بلطف:
ـ هل التشريح يبين أن الضحية خُنِقتْ بوسيلة ما...كاليدين مثلا أو عن طريق حبل؟
فحرّك رأسه بالنفي واستطرد قائلا:
ـ لقد أخذ المصور صورا للضحية...(فتحَ الملف وأخرج بعض الصور ووضعها أمامي وتابع)...أنت ترى أن عنقها لا تظهر عليه أي آثار لوسيلة من الوسائل...لكن اُنظر إلى هذه الصورة وبالضبط أرنبة أنفها...هناك كدمة زرقاء وهذا يعني أن القاتل وجَّه إليها لكمة أو أنها سقطت على أنفها لأنها تعثرت أو دفعها القاتل بقوة وهذا الإحتمال الأخير هو الممكن...فالقاتل ربما دفعها فسقطت على وجهها وأُغْمِيَ عليها...وبعد ذلك ربما استخدم القاتل كيسا بلاستيكيا لخنقها أو وسادة...لكنه لم يستعمل يديه لأننا لم نعثر على أي بصمات...من الممكن أنه كان يستعمل قفّازات...ثم بعد أن فارقت الضحية الحياة عمَدَ القاتل إلى فتح عبوة الغاز مما يجعل من غير الممكن لجسم الضحية أن يتنفس الغاز...
صمتَ وشرع ينقرُ بأصابعه المكتب ثم أضاف:
ـ لكن هناك شيء يجب أن توليه الشرطة إهتمامها وهو أن الضحية كانت حاملا في شهرها الأول...
أدهشتني المعلومة فأردت أن أعقِّب لكن الطبيب سبقني بكلامه قائلا:
ـ في نظري الشخصي ربما أنه كانت تجمع الضحية بالقاتل علاقة جنسية تمخض عنها الحمل فأراد التخلص منها...لا أدري...
فقلتُ:
ـ أو ربما...نعم،ربما كانت تعرف أن الجاني هو أبُ طفلها ولهذا السبب لم تتخذْ حيطتها عندما فتحت له الباب...
فقال الطبيب مستغربا:
ـ أليس من ألقوا عليه القبض هو القاتل؟...فالدلائل تُظهر أنه كان موجودا بالشقة ذلك المساء...
فأجبته:
ـ ألا يمكن أن يكون قد غادر قبل وقوع الجريمة؟
فأحَّ الطبيب وقال:
ـ ممكن...لكن...
فقلت وأنا أقوم من مكاني:
ـ في هذه الحالة علينا أن بحث عن الشخص الذي حَمَلَتْ منه الضحية...
فأجابني:
ـ أنت تعلم أننا لا نمتلك التجهيزات التي تمكننا من معرفة أب الطفل...وقد يتطلب هذا وقتا طويلا إن قمنا بإرساله للمختبرات الأجنبية...في حين أن الشرطة الآن تتوفر على متهم وستفعل ما في وسعها لإنزال أقسى العقوبات عليه...
فقلت وأنا أتوجّه نحو الباب:
ـ لكن موكِّلي ليس قاتلا...وسأفعل أنا كذلك ما في وُسعي لتبرئته...
وودعته وغادرت قسم التشريح.
كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ونصف وكنت في حاجة لبعض الطعام.فأخذت أسير ببطء وأنا أفكر في تلك المعلومة الي أطلعني عليها الطبيب فيما يخص الحمل فبدأت تظهر لي بعض الملامح عن الجريمة لكنني كنتُ لا أملك حتى الآن أي دليل قاطع عن وجود موكلي رشيد الحراق بعيدا عن مسرح الجريمة ذلك المساء على الساعة العاشرة وعشرين دقيقة.
رفعت رأسي فوجدت نفسي قريبا من أحد المطاعم فدخلتُ إليه وأخذت طاولة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يُتبع