ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ،ﻭﺣﺮﺍﺭﺓ ﺭﻭﺣﻴﺔ ﺗﺘَّﻘِﺪ ﻣﻦ ﺣﻴﻦ ﻵﺧﺮ ﺣﺴﺐ ﻣﺰﺍﺟﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ . ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ
ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣُﺮﺗﺎﺡ ﺍﻟﺒﺎﻝ،ﻣﺴﺮﻭﺭ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻳﺄﺗﻲ ﺷﻌﺮﻩ ﺳَﻠْﺴﺎً ﺭﻗﺮﺍﻗﺎ ﻻ ﻳﻜﺪﺭﻩ ﻏﻀﺐ ﺃﻭ ﺗﻜﻠﻒٌ
ﻟﻠﻌﺼﺒﻴﺔ . ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺃﺳِﻔﺎً ﻏﻀﺒﺎﻧﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﺷﻌﺮﻩ ﻗﻮﻳﺎًّ،ﻓﻀﺎًّ ﻏﻠﻴﻈﺎً ﻳﻘﺮﻉ ﺍﻟﺴﻤﻊ ﻛﻘﺮﻉ ﺍﻟﻄﺒﻮﻝ .
ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ ﻻ ﻳﻨﺼﺎﻉ ﻟﻤﻦ ﻫﺐَّ ﻭﺩﺏَّ .ﻭﺇﻧﻚ ﻟﺘﺠﺪ ﺷﺨﺼﺎً ﻳﻨﺜﺮ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻧﺜﺮ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﺮﻯ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻘﻒ
ﻣﺬﻫﻮﻻ ﺣﺎﺋﺮﺍ ﻣﺘﺮﺩﺩﺍ ﻻ ﻳﻠﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﺇﻥ ﺃﺭﺍﺩ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﻧﺺ ﺃﺩﺑﻲ ﻧﺜﺮﻱٍّ . ﺛﻢ ﻟَﺘﺠِﺪَﻥَّ ﺷﺨﺼﺎ ﻳﻠﻌﺐ
ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻛﻴﻔﻤﺎ ﻳﺸﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺜﺮ،ﻟﻜﻨﻪ ﺇﺫﺍ ﺗﺄﻫَّﺐ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﺧﺘﻠﻄﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻷﻣﻮﺭ .
ﻓﺎﻟﺸﻌﺮ ﻳﻮﺣﻰ ﺇﻟﻴﻚ ﻭﺃﻧﺖ ﻓﻲ ﻏِﻨﻰً ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺣﻲ . ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﺤﻮﺫ ﻋﻠﻴﻚ ﻭﻳﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﻤﻠﻜﺎﺗﻚ ﻛﻤﺎ
ﺗﺴﺘﺄﺛﺮ ﺍﻟﻤﻐﻨﺎﻃﻴﺲ ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺪ .ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺄﻛﻞ ﻭﺗﻘﺮﺽ ﺭﻏﻤﺎ ﻋﻨﻚ؛ﻭﺃﻧﺖ ﻧﺎﺋﻢ ﺃﻭ ﺃﻧﺖ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﺃﻭ ﺃﻧﺖ
ﻓﻲ ﻭﺭﻃﺔ ... ﺍﻟﻤﻬﻢ،ﻫﻮ ﻳﺤﺘﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺩﻭﺍﺧﻠﻚ،ﻭﻳﻠﻬﺐ ﻣﺸﺎﻋﺮﻙ ﻭﻳﻔﺮﺽ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﻣﻄﻠﻘﺔ
ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺎﺳﻴﺴﻚ .
ﻭﻧﺤﻦ ﺇﺫﺍ ﺗﺤﺪَّﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﻘﺪﻣﺎﺀ،ﻧﺠﺪ ﺃﻥ ﺃﻏﻠﺐ ﻗﺼﺎﺋﺪﻫﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻜﻠﻒٌ ﻛﺜﻴﺮ ﻭﺻﻨﻌﺔ ﻭﺣﺸﻮ
ﻭﻏﻠُﻮٌّ ﻻ ﻳﺴﺘﺴﻴﻐﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ . ﻟﻜﻨﻚ ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺷﻌﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻠﺨﺺ ﻣﺸﺎﻛﻠﻬﻢ ﺃﻭ ﻏﺮﺍﻣﻬﻢ ﺃﻭ
ﺇﺣﺒﺎﻃﻬﻢ ﺟﻤﺎﻻ ﻻ ﻳﻮﺻﻒ ﻭﺑﻼﻏﺔ ﺗﺄﺳﺮ ﺍﻷﻟﺒﺎﺏ .
ﻳﻘﻮﻝ ﺃﺑﻮ ﻓﺮﺍﺱ ﺍﻟﺤﻤﺪﺍﻧﻲ :
ﺃَﺭﺍﻙَ ﻋَﺼِﻲَّ ﺍﻟﺪَّﻣْﻊِ ﺷِﻴﻤَﺘُﻚَ ﺍﻟﺼَّﺒْﺮُ ***** ﺃَﻣﺎ ﻟِﻠْﻬَﻮﻯ ﻧَﻬْﻲٌ ﻋَﻠَﻴْﻚَ ﻭَﻻ ﺃَﻣْﺮُ
ﻓﻬﺬﻩ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺭﺍﺋﻌﺔ ﺗﺤﺲ ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺗﺘﺪﻓﻖ ﺑﺘﻮﺍﺯﻥ ﻭﺗﺮﺍﺑﻂ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﺮﻳﺐ ﻭﻣُﻠﻔﺖ .ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ
ﺃﺭﺩﺕ ﺍﻟﺘﻠﻤﻴﺢ ﺇﻟﻴﻪ . ﻓﺎﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻳﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻒ ﻭﺍﻹﺻﻄﻨﺎﻉ ﻭﺍﻟﻐﻠﻮ،ﻭﻳﻘﺮﺽ
ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻻ ﻳﺘﺨﻠﻠﻬﺎ ﺃﻱ ﻋﻴﺐ ﺃﻭ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ .
ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻠﻤﺲ ﺑﻴﺪﻙ ﻓﻲ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﺍﻟﻤﻮﺟﻬﺔ ﻟﻸﻣﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻭﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ
ﺍﻹﺳﻔﺎﻑ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻤﺰﻳَّﻦ ﻭﺍﻟﻤﺮﺻﻊ ﺑﺎﻟﻘﻮﺍﻓﻲ ﺍﻟﻤﺆﺅﺛﺮﺓ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺒﻘﻰ ﺷﻌﺮ ﻻ ﻳﺮﻗﻰ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻔﻦ
ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ .
ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺘﻨﺒﻲ :
ﺍَﻟْﺨَﻴْﻞُ ﻭَﺍﻟﻠَّﻴْﻞُ ﻭَﺍﻟْﺒَﻴْﺪﺍﺀُ ﺗَﻌْﺮِﻓُﻨﻲ ***** ﻭَﺍﻟﺴَّﻴْﻒُ ﻭَﺍﻟﺮُّﻣْﺢُ ﻭَﺍﻟْﻘِﺮْﻃﺎﺱُ ﻭَﺍﻟْﻘَﻠَﻢُ
ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﺣﺪ ﺫﻫﺐ ﺍﻟﻐﻠﻮُّ ﺑﺎﻟﺸﺎﻋﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻐﻨّﻲ ﺑﻨﻔﺴﻪ . ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ
ﺍﻟﻨﻔﺤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻔﻴّﺎﺿﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﺻﺎﺩﻕ .
ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﺍﻟﺤﺎﻝ،ﻓﺎﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻋﺪﺩﻫﻢ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﺼﺮ ﻭﻻ ﺷﻬﺮﺓ ﺗُﺪﻧﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ . ﻭﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ
ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻠﻬﺜﻮﻥ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻠﻘﺎﺁﺕ ﺍﻟﻔﺨﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺂﺩﺏ ﻭﺍﻟﻨﺎﺩﻕ ﺍﻟﻔﺨﻤﺔ ﻭﻫﻢ ﻳﻬﻴﻤﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ ﻭﻻ ﺃﺛﺮ ﺃﻭ
ﻣﻐﺰﻯ ﻓﻲ ﺷﻌﺮﻫﻢ . ﻓﺸﻌﺮﻫﻢ ﻳﺸﺒﻪ ﻓﺘﺎﺓ ﻗﺎﻣﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻡ،ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻣﻨﻔﻮﺵ ﻭﻓﻤﻬﺎ ﻣﻠﻄﺦ ﺑﺎﻟﻠﻌﺎﺏ
ﻭﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﺷﺒﻪ ﻣﻐﻤﻀﺘﺎﻥ . ﻓﺠﻞ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺸﺪﻗﻮﻥ ﺑﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﻴﻜﺮﻭﻓﻮﻧﺎﺕ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﺪ ﻫﻮ ﺷﻌﺮ
ﺑﺎﻫﺖ ﻭﻣﻬﻠﻬﻞ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﻭﻣﻌﻮﺝُّ ﺍﻟﺴﺮﺝ .ﻭﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﻘﺮﺍﺀﺗﻪ،ﻓﺈﻧﻚ ﺳﻮﻑ ﺗﺘﻌِﺐُ
ﻧﻔﺴﻚ ﺃﻳَّﻤﺎ ﺗﻌﺐ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺎ ﻳﺮﻣﻲ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ . ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺮ ﻫﻮ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ
ﺳﻮَّﻟَﺖ ﻟﻬﻢ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻨﺜﺮﻳﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻄﻠﻘﻮﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ .ﻓﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻻ ﻫﻲ ﺃﺩﺏ
ﺗﻨﺘﺴﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻻ ﻫﻲ ﺷﻌﺮ ﻳُﻌﺘَﺪُّ ﺑﻪ . ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺷﻄﺤﺎﺕ ﻭﻏﺮﺑﻠﺔ ﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﻋﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻷﺩﺏ ﺑُﺮﺁﺀ
ﻣﻨﻬﺎ . ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﻀﺤﻚ ﺍﻟﻤﺆﺳﻒ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﺠﺪﺩ ﻳﻜﺒﺪﻭﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻨﺎﺀ ﻻ ﻳُﻄﺎﻕ ﺣﻴﻦ
ﻳﻨﺸﺮﻭﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﺍﻭﻳﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻘﺮﺃﻫﺎ ﺃﺣﺪ .ﻷﻥ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻳﻌﺮﻑ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﻘﺮﺃ ﺷﻴﺌﺎ ﻻ ﻳﺴﻤﻦ ﻭﻻ ﻳﻐﻨﻲ
ﻣﻦ ﺟﻮﻉ . ﺃﺿﻒ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﺨﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﺎﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﺪﻭﻥ ﻣﺘﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﺍﻭﻳﻦ؛
ﻓﻴﺜﻘﻠﻮﻥ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﻟﺸﺮﺡ ﻭﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻛﻞ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﻣﻐﺰﻯ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺷﻌﺎﺭ .
ﻓﺸﻜﺴﺒﻴﺮ ﺣﻴﻦ ﻛﺘﺐ ﻣﺴﺮﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻘﺎﺭﺉ ﻭﻣﻴﻮﻻﺗﻪ ﻭﺭﻏﺒﺎﺗﻪ
ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻴﻊ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎﻣﻪ .ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﻓﻘﺪ ﺣﻈﻲ ﺷﻌﺮﻩ ﺑﻘﺒﻮﻝ ﺣﺴﻦ ﻭﺃﺻﺒﺢ ﻣﻨﺎﺭﺓ
ﻷﺟﻴﺎﻝ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ .
ﺃﻣﺎ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﺘﺐ ﺷﻌﺮﺍﺅﻧﺎ ﺍﻟﺠﺪﺩ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻮﺣﻲ ﻟﻠﻘﺎﺭﺉ ﺑﺄﻥ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ
ﻋﺎﻟﻢ ﻻ ﻳﺸﺎﺭﻛﻪ ﻓﻴﻪ ﺃﺣﺪ . ﻓﺎﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﺃﺻﺒﺤﻮﺍ ﻳﺼﻮﺭﻭﻥ ﻭﻳﺼﻔﻮﻥ ﺃﺷﺸﻴﺎﺀ ﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﻬﺎ ﺇﻥ ﻋﻘﻼﻧﻴﺎ ﺃﻭ
ﺗﺨﻴُّﻼ . ﻭﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻟﺴﺎﺗﻴﺮﻱ ﺃﻭ ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻟﺘﻬﻜﻤﻲ .ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻷﺩﺏ ﻟﻪ
ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ . ﻓﺎﻟﺸﺎﻋﺮ ﻳﻌﺒﺮ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﻫﻤﻤﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻭﺍﻷﺃﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤﺰﺭﻳﺔ ﺑﺄﺷﻜﺎﻝ ﻣﺠﺎﺯﻳﺔ
ﺗﻬﻜﻤﻴﺔ ﺗﻮﻗﻆ ﺃﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀ .
ﺑﺼﺮﺍﺣﺔ،ﻭﻫﺬﺍ ﺷﻲﺀ ﻻ ﻳﺠﺐ ﺍﻟﻌﺪﻭﻝ ﻋﻦ ﻗﻮﻟﻪ؛ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻫﻨﺎﻙ ﺷﻌﺮﺍﺀ،ﺃﻭ ﺃﺩﺑﺎﺀ ﺃﻭ ﻣﺆﺭﺧﻴﻦ ﺃﻭ
ﺑﺎﺣﺜﻴﻦ ... ﻓﺎﻟﻜﻞ ﻳﺠﺘﺮُّ ﻭﻳَﻠﻮﻙُ ﻣﺎ ﻭﺭﺙ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻠﻒ .ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻟﻪ ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺸﻜﻴﻤﺔ ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﺳﺔ
ﻟﻴﻌﻄﻲ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﻭﺓ ﻭﻳﺒﺮﻫﻦ ﻟﻸﻣﻢ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻣﺎ ﺯﺍﻟﻮﺍ ﻣﺒﺪﻋﻴﻦ؛ﻭﺍﻹﺑﺪﺍﻉ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﻪ
ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺴﺘﺨﻠﺼﻪ ﻣﻦ ﻧﺺ ﺃﻭ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﺃﻭ ﺷﻌﺮ .ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺤﺲ ﺑﺄﻧﻪ ﻓﺘﺢ ﻟﻨﺎ
ﻧﻮﺍﻓﺬﺍ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ ﺟﺪﻳﺪﺓ .
ﻭﺳﻨﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻷﺩﺏ ﻳﻌﺮﻓﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻛﻮﺩ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺟﻊ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ