ﺗﻮﻗَّﻔﺖُ ﻓﺠﺄﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺮ . ﻭﺗﺴﺎﺀﻟﺖُ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺃﺛﺎﺭ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺠﺎﻟﺲ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻓﺔ ﺇﺣﺪﻯ
ﺍﻟﻤﻘﺎﻫﻲ،ﺑﺸﻌﺮﻩ ﺍﻷﺑﻴﺾ ﻭﻧﻈﺎﺭﺍﺗﻪ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻭﻳﻦ . ﺭﺑﻤﺎ ﺷﻜﻞ ﺍﻟﻨﻈﺎﺭﺗﻴﻦ ﺫﻛﺮﻧﻲ ﺑﺸﻲﺀ ﻻﺣﻈﺘﻪ ﻣﻦ
ﻗﺒﻞ . ﺭﺑﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﻟﻲ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺘﻘﻴﺖُ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ...ﺃﻳﻦ؟ ...ﺃﻳﻦ؟ ...
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﻀﻮﻝ ﻳﺆُﺯُّ ﺩﺍﺧﻠﻲ؛ﻷﻧﻨﻲ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺃﺗﺬﻛﺮ ﻓﺴﺄﻗﻀﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺨﻤﻴﻦ ﻭﻫﺬﺍ ﺳﻴﺆﺛﺮ ﻋﻠﻰ ﺭﺍﺣﺔ
ﺑﺎﻟﻲ . ﻭﻟﺤﺴﻢ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ،ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻗﺘﺮﺍﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻭﺳﺆﺍﻟﻪ ﻋﻦ ﻫﻞ ﺳﺒﻖ ﻟﻪ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺘﻘﻰ
ﺑﻲ . ﻓﺨﻄﻮﺕ ﻧﺤﻮﻩ ﻭﺃﻧﺎ ﺟﺪ ﻣﺘﺮﺩﺩ ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻬﺮﻧﻲ ﻭﻳﺸﺘﻤﻨﻲ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ
ﺍﻷﺛﺮﻳﺎﺀ ﺣﻴﻦ ﻳﺘﻄﺎﻭﻝُ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺷﺨﺺ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ .ﻓﻔﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ،ﻛﺎﻥ ﻳﺒﺪﻭ ﻣﻦ ﻫﻨﺪﺍﻡ
ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻷﺭﺳﺘﻘﺮﺍﻃﻴﺔ .
ﻓﺪﻧﻮﺕ ﻣﻦ ﻃﺎﻭﻟﺘﻪ ﻭﺳﺤﺒﺖ ﻣﻘﻌﺪﺍ ﻭﺟﻠﺴﺖُ .ﻓﺎﻧﺘﻔﺾ ﻣﻦ ﺳﻬﻮﻩ ﻭﻧﻈﺮ ﺇﻟﻲ ﻧﻈﺮﺓ ﺣﺎﺩَّﺓ ﻛﻤﻦ ﻳﻨﻈﺮ
ﺇﻟﻰ ﺫﺑﺎﺑﺔ ﺣﻄَّﺖ ﻓﻮﻕ ﻓﻨﺠﺎﻧﻪ ﺍﻟﻤﻤﻠﻮﺀ،ﺛﻢ ﺻﺎﺡ ﺑﻨﺒﺮﺓ ﻓﻈﺔ :
ـ ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻥ؟
ﻓﺄﺟﺒﺘﻪ :
ـ ﺃﻻ ﺗﺘﺬﻛَّﺮﻧﻲ؟
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺃﺷﺮﻕ ﻓﻜﺮﻱ ﻭﺗﺬﻛﺮﺕ ﺃﻳﻦ ﺍﻟﺘﻘﻴﺘﻪ .
ﻓﻘﺎﻝ ﻣﺘﻠﻌﺜﻤﺎً :
ـ ﻻ ﺃﺗﺬﻛﺮ ...ﻫﻨﺎﻙ ﺭﺑﻤﺎ ﺗﺸﺎﺑﻪ ...
ﻓﻘﻠﺖُ ﺿﺎﺣﻜﺎ :
ـ ﻟﻘﺪ ﺃﻣﻀﻴﻨﺎ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻣﻌﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﻬﻒ ...
ﻓﺘﻤﻠﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﺑﻐﻀﺐ ﻭﻗﺎﻝ :
ـ ﻋﻦ ﺃﻱ ﻛﻬﻒ ﺗﺘﺤﺪﺙ؟
ﻓﺄﻃﺮﻓﺖ ﺑﻌﻴﻨﻲ ﺑﻤﻜﺮ،ﻭﻗﻠﺖ :
ـ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ...
ﻓﺎﺭﺗﺞ ﺑﻪ ﻣﻘﻌﺪﻩ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﺩ ﻳﻘﻠﺐ ﺍﻟﻄﺎﻭﻟﺔ،ﻭﺍﺣﻤﺮَّ ﻭﺟﻬﻪ ﻭﺃﺧﺬ ﻳﺘﻨﻔﺲ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ .ﻭﺑﻌﺪ ﺑﺮﻫﺔ، ﻗﺎﻝ :
ـ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻤﺎﻧﻊ ... ﻓﺄﻧﺖ ﺃﺧﻄﺄﺕ ﺍﻟﺸﺨﺺ ...
ﻓﻘﻠﺖ :
ـ ﻧﺴﻴﺖَ ﺷﻴﺌﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍ ...ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺫﻛَّﺮﻧﻲ ﺑﻚ ...ﺍﻟﻨﻈﺎﺭﺗﺎﻥ ... ﻧﺴﻴﺖ ﺃﻥ ﺗﻐﻴِّﺮﻫﻤﺎ ... ﻟﻜﻦ
ﻛﻴﻒ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻬﻨﺪﺍﻡ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻋﺮﻑ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺰﻭﺭﻙ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻦ؟
ﺍِﻧﺘﻈﺮ ﻃﻮﻳﻼ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳُﺠﻴﺐ،ﻭﻓﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻗﺮَّﺭَ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻤﺮﺍﻭﻏﺔ ﻭﻗﺎﻝ :
ـ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ،ﺃﻧﺖ ﺃﻭﻝ ﺷﺨﺺ ﻳﺘﺬﻛﺮﻧﻲ ...ﻭﺑﺎﻟﻒﻋﻞ ﺃﻧﺎ ﺃﺣﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺎﺭﺍﺕ ﻭﺃﻗﺴﻤﺖ ﺃﻥ ﻻ ﺗﻔﺎﺭﻕ
ﻋﻴﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﺃﻭﺍﺭﻱ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ... ﻋﻠﻴﻚ ﺃﻥ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻧﻨﻲ ﻏﻴﺮﺕُ ﺍﻟﻤﻬﻨﺔ ...ﻓﺎﻟﺴﺮﻕﺓ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗُﺪِﺭُّ ﺃﺭﺑﺎﺣﺎ ...
ﻓﻘﺎﻃﻌﺘﻪ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺑﺘﺴﻢ ﻭﻗﻠﺖ :
ـ ﻣﺎ ﺯﻟﺖ ﺃﺗﺬﻛﺮ ﺟﻨﺎﻳﺘﻚ ...ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺒﺪﻭﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ ﺗﺮﺍﻗﺒﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﺒﻴﻊ ﺍﻷﻛﺒﺎﺵ ﻭﺗﻌﺘﻘﺪ ﺃﻧﻪ
ﻳﻀﻊ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻓﻲ ﺟﻴﺒﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﻀﻌﻪ ﺩﺍﺧﻞ ﺣﺬﺍﺋﻪ ﺍﻟﻤﻄﺎﻃﻲ ... ﻭﺣﻴﻦ ﺃﺩﺧﻠﺖ ﻳﺪﻙ ﻃُﻌﻨْﺖَ
ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻤﻸ ﺟﻴﺒﻪ ﺑﻤﻮﺳﻰ ﺍﻟﺤﻼﻗﺔ ...ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺃﻟﻘﻮﺍ ﺍﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻚ ...
ﻓﻀﺤﻚ ﻭﻗﺎﻝ :
ـ ﻫﻨﺎﻙ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺳﻬﻠﺔ ﻋﺜﺮﺕُ ﻋﻠﻴﻬﺎ ...ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﻬﻨﺔ ﺃﻱ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ ... ﻟﻘﺪ ﺍﻧﻀﻤﻤﺖ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﺪ
ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ ﻭﺗﺴﻠﻘﺖ ﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺰ ﺑﺴﺮﻋﺔ ... ﻭﺍﻵﻥ ﺃﻧﺎ ﻧﺎﺋﺐ ﺑﺮﻟﻤﺎﻧﻲ ...
ﻓﺼﺤﺖ :
ـ ﻧﺎﺋﺐ ﺑﺮﻟﻤﺎﻧﻲ؟ ... ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﺧﺘﺼﺎﺻﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﻨﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ؟
ﻓﺄﺟﺎﺏ :
ـ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ ﻭﻻ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ ...ﻓﺄﻧﺎ ﻻ ﺃﻋﺮﻑ ﺇﻻ ﺍﻟﺴﺮﻗﺔ ... ﻟﻜﻦ ﺍﻵﻥ ﻟﻦ ﻳﻘﺒﺾ ﻋﻠﻲ ﺃﺣﺪ ... ﻓﺠﻴﻮﺏ
ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﻛﺮﻳﻤﺔ،ﻭﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻤﺪَّ ﻳﺪﻙ ﻳﺘﺪﻓﻖ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﻤﺎﻝ ...
ﻓﻘﻠﺖ ﻣﺴﺘﻐﺮﺑﺎ :
ـ ﻭﺍﻟﺴﻮﺍﺑﻖ؟
ﻓﺄﺟﺎﺏ ﻣﺒﺘﺴﻤﺎ :
ـ ﻻ ﺑﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﻨﺔ ﻣﻦ ﺳﻮﺍﺑﻖ ...ﻓﺎﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻮﻥ ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻳﺴﺘﻐﻔﺮﻭﻥ
ﺍﻟﻠﻪ ... ﻭﻣﺜﻠﻲ ﻭﻣﺜﻠﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﺻﺐ ﻳﺤﻠﺒﻮﻥ ﺍﻟﺸﻌﺐ ... ﻭﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﻣﻴﺰﺓ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﺼﺎ ... ﻭﺑﻴﻨﻲ
ﻭﺑﻴﻨﻚ،ﻓﺎﻟﺸﻌﺐ ﻻ ﻳﺤﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﺃﺳﻪ ﺍﻟﺼﺎﺩﻗﻮﻥ ﻭﺍﻟﻤﺨﻠﺼﻮﻥ ... ﻟﻜﻦﻧﻲ ﺳﺄﻏﻴِّﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﻧﻈﺎﺭﺍﺗﻲ
ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻲ ﺃﻣﺜﺎﻟﻚ .
ﻭﺍﻧﻔﺠﺮﻧﺎ ﺿﺎﺣﻜﻴﻦ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ